القراءة .. الحصّة المغيّبة
مع بداية العام الدراسي الجديد تنفتح قلوبنا وأرواحنا لاستقبال آمال جديدة، ومتغيرات إيجابية نحو غدٍ أفضل لأبنائنا، فهم ذلك الغرس الأخضر الذي سيؤتي أُكله مستقبلاً.
وكثيرة هي الآمال والقضايا التي تناولها المهتمون في التربية من أصحاب قرار ومعلمون وحتى أولياء أمور (مشكلة المناهج، العثرات التربوية، ضعف أداء الطالب، سياسات التعليم) لكن لا أحد منهم فطن إلى قضية هامة تشكل في مضمونها ظاهرة حضارية تدفع الشعوب باتجاه التقدم والتطور وهي ((القراءة)).
فبكل بساطة أقول هناك عزوف كبير عن القراءة. هجرنا الكتاب إلى حياة الدعة والسكون واللهو وحسبناه جهداً لا طائل منه تحت ضغط الانشغالات حتى بتنا مصنفين كشعوبً أمية في مطامحها وأهدافها وفي رؤاها المستقبلية، تبقى على الرصيف تنتظر من يخطط قدرها الثقافي كهبة إلهية، والسبب الشح في المبدعين والعلماء، فالمثقفين تجربة الجيل محدودة والخيال مستهلك في توافه الأمور فأنّى لنا أن ننهض والجيل بكامله في خصام دائم مع ((القراءة)) بكل ما تحمله من توهج فكري وإثراء معرفي وغزارة في المعلومات.
دعوة أوجهها إلى المعلمين، إلى الآباء والأمهات أن يبدؤوا منذ الصغر في توجيه الأبناء بحماس نحو القراء وعبر أساليب المكافأة والتشجيع، فهي عادة وسلوك يروض عليه الابن منذ صغره لتنمو معه حتى الكبر.
منذ سنوات كانت هناك حصة تابعة لمنهج اللغة العربية بعنوان ((المكتبة والمطالعة)) أتذكر حينما كنت في المرحلة الابتدائية تأخذنا معلمتنا إلى المكتبة لنختار قصة نقرأها ثم نقف أمام الطالبات ونقصها حسب فهمنا وأحياناً المعلمة هي من تقص قصة مختارة لنا ثم تطلب من الطالبات أن يتخيلوا عنواناً للقصة، الخيال يسترجع الأحداث، ويربط الوقائع ويرتب الأولويات وهذا هو المقصد من القصة، كنا نستمتع بالقراءة، وبسماع القصة، وكانت لنا رغبة في المطالعة حتى أننا كنا نستعير القصص لقراءتها في المنزل، وتنمو فينا رغبة مع نمونا الفكري وسعة إدراكنا فنستغل العطل والأجازات في القراءة.
سؤالي هنا...
لِمَ يعزف هذا الجيل عن القراءة ينفر من الكتاب بشكل مرضي؟ حتى أنك لو سألت صبياً إن كنت تحب المطالعة أجابك بامتعاض _ وكأنك تلقي عليه تهمة_ بكلمة ((لا)).
المدرسة لها دور مهم في تعزيز هذا الجانب وترتيب منهج خاص يخلق حالة الدافعية والشغف في نفس الطالب ليقرأ، ناهيك عن دور المعلم الإيجابي في تنمية هذا الميل ولن يكون قادراً إلا إذا تميز بالتالي:
· أن يكون هذا المعلم قادر على إثارة نقاش حول كتاب قرأه والمشاركة الفعالة في هذا النقاش على ربط القراءة بالكتابة.
· هو من يشجع نتاج الأطفال في مختلف الأنواع الأدبية.
· هو القارئ المحب للأدب وملم بمختلف المعارف والثقافات.
· هو الذي يحب مهنته ويعطي بعاطفة مبتهجة حتى ينقل إحساسه الإيجابي للطالب.
· هو القادر على أن يقدم الكتاب بطريقة مشوقة للطالب.
الشعوب المتقدمة كانت سبّاقة في تنمية هذه الميول كغذاء يومي للطفل لا يقل أهمية عن وجبة الطعام، وخير دليل ما شاهدناه عبر الفضائيات مؤلفة سلسلة ((هاري بوتر)) الكاتبة الأديبة ((كي جي رولنغ)) وهي تعرض آخر إصداراتها وسط أجواء الترقب والتحفز من الصغار والكبار، تقف في باحة كبيرة أمام جمهورها تقرأ بعضاً من مقتطفات الكتاب الذي طبع منه ملايين النسخ ووزع في شتى بقاع العالم، هذه الشعوب تقرأ، مبرمجة على القراءة كخبز يومي، وكحاجة ملحة، ومتعة حقيقية، والسبب أن سياسات التعليم تستهدف في مخططاتها التقدمية تنمية الجيل فكرياً وتهيئة المبدعين في مناخ صحي عبر استثارة ذهنية تجعل الخيال متوقداً، متوهجاً، ثم أن هناك إدراك مقنن لأهمية الوقت وترتيبه بشكل يجعل المطالعة ضمن الأولويات في حياة الطفل كعادة تستمر معه حتى الكبر.
وتعتبر السويد من أكثر الدول اهتماماً بكتاب الطفل إذ تنفق ميزانية ضخمة على قصص الأطفال، حتى أن هناك ملحوظة طريفة تكتب على كل قصة وهي أنها صالحة للفئة العمرية من 4 سنوات إلى 80 سنة.
مؤسف أن نفتقد هذه الظاهرة في بلدنا، مؤلم أن يموت الكتاب في خزائن أنيقة، مخجل أن ينصرف العمر الثمين في مشاهدة البرامج السوقية أو التسكع في الأسواق والشوارع، هذا الجيل أخذ من الغرب قشوره وترك علمه وأسرار قوته، أموال تهدر على المطاعم والمقاهي، فيما الكتب والمكتبات ودور النشر مغيّبة، شحيحة، كُتب الكُتّاب والأدباء دفنت تحت نثار الغبار لا يقرأها إلا قلة من النخبة.
من هنا أقترح أن يتعاون المهتمون في هذه القضية لتقديم مشروع حيوي يفعّل فكرة القراءة منذ الطفولة، فقد أثبتت الدراسات أن الطفل القارئ يحمل تلك المزايا:
- متقدم في دراسته.
- يتحسن وضعه كقارئ كلما تقدم بالعمر.
- يستمتع بحياة أكثر إثراءاً وامتلاءاً.
- يتعلم أصول البحث العلمي الجيد.
- يكتسب قدرة على الاتصال الجيد الناجح ((حديثاً وكتابة)).
- له إثراء لغوي كبير.
- خصوبة في المعلومات.
- خيال خصب وآفاق ذهنية واسعة.
- قادر على الحديث والحوار والمناقشة والتعبير عن الرأي.
- واثق من نفسه.
- نضوج مبكر.
- يتعلم فن الإنصات.
ألا تستحق كل هذه الامتيازات أن نبذل جهداً في إعادة برمجة المناهج بشكل يسمح للقراءة أن تدخل حياة الطالب كعنصر حيوي فعّال؟
فيا أيها المعلم هذه مسؤوليتك.
يقول ((أيدن شامبر)) في كتابه ((كيف تصنع قرّاء)) في رسالة موجهة للمعلم:
- المعلم الضعيف يقدم المعلومات.
- المعلم المتوسط يفسّر المادة.
- المعلم الجيد يُقنع.
- المعلم العظيم يُلهم.
ألا تحب أن تكون عظيماً؟
ستكون ذلك عندما يتخرج على يديك المبدعون.
الكاتبة | خولة القزويني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق