كتبت الكاتبة كيت شوبان قصة امراة محترمة
في 20 يناير عام 1894 ونشرت في مجلة vogue
في 15 فبراير 1894
انزعجت السيدة بارودا قليلا عندما علمت بتوقع زوجها زيارةَ صديقه قوفيرنيل لهما في المزرعة والتي قد تستمر أسبوعا أو أسبوعين.
كانت السيدة بارودا وزجها قد استمتعا كثيرا خلال الشتاء حيث أمضيا الكثير من وقتهما في نيوأورليانز مستمتعين بشتى أنواع التسلية الممتعة . والآن تتطلع إلى إجازة متواصلة وحوارات حميمة وهادئة مع زوجها بينما أخبرها بأن قوفيرنيل قادم ليبقى أسبوعا أو اثنين.
كان قوفيرنيل الرجلَ الذي سمعت عنه كثيرا لكنها لم تره، فهو صديق زوجها أثناء دراسته بالكلية، والصحفي الآن، والذي لم يكن بشكل عام رجلا اجتماعيا أو رجلا لعوبا، وربما هذا أحد الأسباب التي جعلتها لم تلتق به. ولكنها شكلت بلا وعي صورة له في مخيلتها. تخيلته طويلا، نحيلا، وعيابا يرتدى نظارات، ويضع يديه في جيبيه، ولم تحبه. كان قوفيرنيل نحيلا بعض الشيء لكنه لم يكن طويلا جدا ولا عيابا ولم يكن يرتدي نظارة ولم يكن يضع يديه في جيبيه كما تخيلته. وفي الواقع أنها شعرت بالميل إليه عندما قدم نفسه لأول مرة.
بيد أنها حين حاولت قليلا أن تفسر لنفسها بشكل مرض لماذا شعرت تجاهه بذلك الشعور لم تستطع. بل استطاعت أن تكتشف أنه لا يملك أياً من الخصال المتميزة والمرجوة والتي كان زوجها قاستون يؤكد لها أنه يتصف بها. بل على العكس تماما، فقد جلس الرجل مفضلا الصمت، ومتقبلا لهفتها التي امتزجت بعذوبة حديثها في الاحتفاء به لجعله يشعر كما لو كان في منزله ذلك الشعور الذي يبدو تحديا لكرم ضيافة قاستون الصادقة . كان سلوكه مهذبا جدا تجاهها كما كان يقتضى أن يفعل أمام أي إمراة تتطلب ذلك ببراعة، ولكنه لم يبد إعجابا صريحا يدل على استحسان حفاوتها به أو حتى تقدير.
ما أن استقر في المزرعة حتى بدا أنه يحب الجلوس على الرواق الواسع في ظل أحد الأعمدة الكورنثية الضخمة، يدخن سيجارته بكسل ويستمع باهتمام إلى خبرات قاستون كمزارع للسكر.
"هذا ما أدعوه حياة." قال بارتياح عميق، بينما كان الهواء يندفع بخفة عبر حقول السكر ويداعبه بلمسته الدافئة المخملية. أسعده أيضا نشوء تآلف حميم بينه وبين الكلاب الكبيرة والتي التفت حوله تفرك أجسادها على ساقيه بتودد. لم يهتم بالذهاب لصيد السمك، ولم يظهر أي رغبة في الخروج أو اصطياد الطيور عندما اقترح عليه قاستون ذلك.
حيرت شخصية قوفيرنيل السيدة بارودا، ولكنها أحبته، حقا لقد كان محبوبا ورفيقا مسالما. بعد أيام قليلة، وعندما لم تستطع فهمه أفضل مما فعلت أول مرة رأته فيها، توقفت بارودا عن الاهتمام بهذا الشخص المحير ولكنها بقيت منزعجة. في هذا الوضع كانت السيدة بارودا تترك زوجها وصديقه أكثر الوقت بمفردهما. وحين وجدت أن قوفيرنيل لم يظهر أي سلوك اعتراضي لتصرفها، فرضت عليه صحبتها، فرافقته في نزهاته الاعتيادية إلى الطاحونة، وعلى أرصفة الأنهار، وبإصرار سعت إلى اقتحام تحفظه والذي طوق به نفسه من دون إدراك منه.
"متى سيغادر صديقك؟" سألت زوجها ذات يوم، ثم أكملت: "بالنسبة لي، فقد أشعرني بالملل بشكل مزعج."
"ليس قبل أسبوع، يا عزيزتي. أنا لا أستطيع أن أفهم. إنه لم يسبب لك أية إزعاج."
"لا. كنت سأحبه أفضل لو فعل، أي لو كان مثل الآخرين، ولكنتُ خططت شيئا ما لراحته ومتعته."
أمسك قاستون بوجه زوجته الجميل بين يديه وتبسم ضاحكا وهو ينظر بحب إلى عينيها المنزعجتين. كانا يتزينان معا في لحظة أنس في غرفة ملابس السيدة بارودا.
قال لها: "أنت ممتلئة بالمفاجآت يا جميلتي، على الرغم من أني لا أستطيع أن أتوقع أبدا كيف ستتصرفين في حالات معينة." قبلها ثم التفت إلى المرآة ليربط ربطة عنقه.
أكمل: "ها أنت تأخذين المسكين قوفيرنيل بجدية وتثيرين ضجة حوله، آخر ما يرغبه أو يتوقعه."
ردت متحمسة بحنق: "ضجة! هراء! كيف تقول شيئا كهذا، حقا! ولكن أنت، كما تعلم، قلت لي إنه ذكي."
"نعم هو كذلك، ولكن الرفيق المسكين مرهق الآن من ضغط العمل. لهذا السبب دعوته إلى هنا ليقضي فترة راحة."
ردت بحسم: "اعتدت أن تقول عنه إنه رجل الأفكار، توقعت أن يكون على الأقل مثيرا للاهتمام، سوف اذهب إلى المدينة في الصباح لأخذ ملابسي الربيعية الجاهزة. ودعني أعرف متى سيغادر السيد قوفيرنيل، سأكون في منزل عمتي أوكتافيا."
تلك الليلة خرجت وجلست بمفردها على مقعد تحت شجرة بلوط على حافة الممشى الذي اكتسى بالحصى.
لم تكن أفكارها أو قراراتها مشوشة كما هي الآن، لم تستطع أن تجمع منها أي شيء، سوى الشعور بضرورة ملحّة على أن تترك منزلها في الصباح.
سمعت السيدة بارودا خطوات قادمة على الممشى، ولكن لم يكن بوسعها أن تتبين في الظلام سوى اقتراب نقطة حمراء لشعلة سيجارة. عرفت أنه قوفيرنيل لأن زوجها لم يكن ليدخن. تمنت أن تبقى مختفية، ولكن رداءها الأبيض كشفها له. رمى سيجارته وجلس على المقعد بجوارها، من دون أن يعتريه أدنى شك بأنها ستعترض على حضوره.
"طلب مني زوجك أن أحضر لك هذا سيدة بارودا" قال ذلك وهو يناولها شالا أبيضاً شفافا كانت تلف به رأسها وكتفيها في بعض الأوقات. أخذت منه الشال هامسة بكلمات شكر، ثم وضعته في حجرها.
ذكر بعض الملاحظات الشائعة بشأن التأثير الضار للهواء الليلي في هذا الفصل من السنة. ثم بينما هو يحدق في الظلام تمتم لذاته:
"ليلة الرياح الجنوبية
هي ليلة النجوم الكبيرة القليلة
والتي لا تزال تتمايل ليلا.."
لم تبد أي تعليق لمناجاته لليل، والتي لم تكن بالطبع موجهة لها.
كان قوفيرنيل بصورة عامة رجلا خجولا لأنه ليس لديه وعي بذاته. لم تكن أوقات تحفظه فطرية في شخصيته، بل كانت نتيجة حالات مزاجه. وبجلوسه هناك بالقرب من السيدة بارودا، ذاب صمته لفترة من الوقت.
تحدث بحرية وبحميمة بصوت منخفض ومتردد لم يكن من السيئ سماعه. تحدث عن أيام الدراسة بالكلية عندما قضيا هو وقاستون وقتا طويلا مع بعضهما البعض، أيام الطموحات الحادة المتهورة، والنوايا الكبيرة. الآن تركت معه على الأقل إذعانا فلسفيا للنظام القائم، مجرد رغبة يسمح لها بالخروج بين الحين والآخر مع نفحة الحياة الحقيقية، كما يتنفس في هذه اللحظة.
بشكل مبهم استوعب عقلها ما قال. كان جسدها متأثرا باللحظة المهيمنة. لم تفكر في كلماته، بل كانت تمتص نغمات صوته. أرادت أن تمتد يدها في الظلام، وتلمس وجهه أو شفتيه بأطراف أناملها الرقيقة. أرادت أن تقترب منه وتهمس أمام خده، لم تكن تهتم بما فعلت لو لم تكن امرأة محترمة.
وكلما نما الدافع القوي لتجذب نفسها إلى جواره، كلما سحبت، في الحقيقة، نفسها بعيدا عنه. حالما استطاعت أن تفعل ذلك دون أن يبدو ذلك غاية في الفظاظة، نهضت وتركته هناك وحيدا.
وقبل أن تصل إلى المنزل، أشعل قوفيرنيل سيجارة جديدة وأنهى مناجاته لليل.
تلك الليلة كان لدى بارودا رغبة مغرية لإخبار زوجها، الذي يعتبر صديقها أيضا، بهذه الحماقة والتي أسرتها. ولكنها لم تستلم إلى رغبتها، فعلاوة على أنها امرأة محترمة كانت امرأة عاقلة جدا وعرفت أنه يوجد هناك بعض المعارك في الحياة والتي يجب أن يقاتل فيها الانسان بمفرده.
عندما استيقظ قاستون في الصباح كانت زوجته قد غادرت بالفعل. فقد استقلت قطار الصباح الباكر إلى المدينة. لم تعد حتى غادر قوفيرنيل منزلها.
كان هناك نقاش حول عودته في الصيف القادم، وهذا ما رغب فيه قاستون بشكل كبير، ولكن هذه الرغبة خضعت لمعارضة صارمة من زوجته.
على رغم ذلك، فقبل نهاية العام ومن تلقاء نفسها تماما، طلبت السيدة بارودا من زوجها أن يدعو قوفيرنيل لزيارتهما مرة أخرى. غمرت زوجها المفاجأة وابتهج بالاقتراح الذي أتى منها.
"أنا سعيد، يا عزيزتي، لمعرفتي بأنك أخيرا تغلبت على نفورك منه، فهو حقا لا يستحق ذلك."
"تغلبت على كل شيء." قالت ضاحكة بعد أن طبعت على شفتيه قبلة طويلة حانية، "هذا المرة سأكون ودودة جدا معه."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق