كلمات

كل يوم أراني ألتحف التراب ، فأقتني بؤسي كما هي الأشياء صامتة ..

الجمعة، 21 أكتوبر 2011

مطلقة ولكن


مطلقة ولكن
   
قطرات من الندى كانت في حضنهم تورق الحياة لوناً من اللوز ينساب ابتهالات من العشق دافئة اللحظة .
أريج .. فستان طفولة مطرز بالنور والجمال الإلهي بين سراج العشيقين بريشة خضراء قد نسجت حياتهم بكل عذوبة وطراوة عسلية ، رغم تلك العفونة القاسية التي تحول النور إلى ظلام ، الحب إلى انتقام ، إنه أب لا يستحق الأبوة ، رجل بعيد كل البعد عن الإنسانية و ... .
لم يكن راضياً عن اختيار ابنه لزوجة المستقبل ورفيقة الدرب وذلك بدون أي مبرر ، فقط يريد أن يخضع حياة ولده لعقليته الدكتاتورية ، ربما يشعره ذلك بالكمال ، إنه من فرط إحساسنا بالنقص نلتمس الكمال من الآخرين .
أصر محمد التمسك بحبه ، إنها ابنة خالته ريم ، أنثى من الطراز النادر وجوده خصوصاً في مجتمعنا
(
القطيف ) الذي فقد طهارته المائية .
ذات وجع حيث كانت ريم حامل وأريج تلهو وتلعب عبر أحضانها تسرب إلى سمعها صراخه بوجهه طالباً منه أن يطلق .. .
ارتجفت أصابعها العاج مكسورة الخاطر بورد من الخد كأنه برقع غجري الصحراء .
أجل .. حين نكون تعساء ندرك تعاستنا .. ولكن عندما نكون سعداء لا نعي ذاك إلا في ما بعد .. إن السعادة اكتشاف متأخر . أحلام مستغانمي
تنفست الصعداء حينما رفض بقوة فكرة الطلاق معللاً أنه يحبها ولا يحتمل فراقها أبداً .
ثمة قلق انتابها كنذير شؤم لما تخبأه الأيام ... .
سحائب صخرية الأنفاس تجبرها على الجلوس في شقتها وعدم الاتصال بأهلها أياً كان السبب ، هو نبض قلب يسرب الإرهاق لجسدها الذابل فتتلوى ألماً ، حاولت الاتصال بخالتها ولكن دون جدوى من وصال ، حقاً إن الأرواح كلما تآلفت صارت قريبة من بعضها البعض يشعر الكل بالكل ... .
سقطت على الأرض فاقدة الوعي ، صرخت أريج وهي تمسح على وجه أمها والدموع لؤلؤ متناثر كليلة من ليالي شكسبير ، براءة الطفولة تعانق شعرها ما ما ما ، برقت عيناها وأمسكت بالجوال واتصلت بعمها
(
الدكتاتور ) ولم يجب ، حارت بأمرها فلم ترى إلا أن تتصل بأهلها ... .
_
أأألووو علللي إلحقني ... .
تروع علي واحمر وجهه .
_
ريم ، ريم ويش فيش ، إنت تعبانه ، طيب جاي ، جاي .
اقتحم الشوارع المؤدية لشقتها وفتح الباب فجأة رآها مسجاة على الأرض وابنتها تبكي بصوت أشبه باستغاثة ... .
رفع يدها بدمع كجمر ... .
_
ريم اجلسي أنا علي ، كلميني أرجوش ... .
أنة من الأعماق تنبأ بالآهات النارية وهي تخترق جسداً مخملي .
_
علي ، علي بموت وديني المستشفى ، ابي امس ، ابي ابوي .
_
طيب قومي معاي ، اشوي اشوي .
أجلسها في المقعد الخلفي من السيارة وانطلق كالريح ، كلما قالت ريم : آه ، زاد من سرعته ، إنها ريم التي كانت بلسم لجراحه ، روحها سكن نضع رؤوسنا بشرفته عندما تؤرقنا الحياة بمشاكلها ، آه يا ريم لم ينصفك القدر ، وضعك بين أسرة بعيدة عن المشاعر كبعد الشيطان من الجنة .
هرع كل من الممرضات لإسعافها وجلس هو على الأريكة وبحضنه أريج يداعبها ويبكي .
وصلت مثقلة بالحزن مترادفة مع زوجها الذي تصارعه المآسي خوفاً على ابنته التي تتقاذفها الأمواج المنسوجة من الفولاذ .
لحظات هي حتى بزغت الممرضة وعلى محياها خيوط من الشمس بازغة كدقائق الفجر المتيم بأنفاس العاشقين .
وقع كان هو الخبر معجون بالألم والفرح فقد رزقت فلذت كبدهم ولداً ، تسارعت الخطوات متوجهة إلى مرتعها تعانقها القبلات .
ارتعاش العينين تحديقاً في الحاضرين كأنها تبحث عن شيء ما .
تدحرجت تلك الأيام في المستشفى إلا أنه لم يحضر ليرى ابنه ، أمسكه والده بعصاً جمرية اللحظة يوم عرض عليه مبلغاً من المال لا يحلم به ليتركها ... .
خطواتها لا تكاد تحملها بينما هي تفتح الباب لتدخل لحجرتها التي فارقتها منذ تزوجت ، هرولت بمخيلتها الذكريات البريئة المفعمة بالحنان في كنف أسرتها وبين أحضان أمها ودعابة والدها .
استلقت على فراشها منهكة الجسد تتمتم بآهات تناجي حبيبها اللاحبيب .
ذهب والدها إلى شيخ القرية المعروف بطيبته وحنانه على أهل القرية ليتدخل في الموضوع ويمنع الطلاب بما يملكه من إيمان وحكمة
حقاً من اتخذ من الحكمة لجاماً ، اتخذه الناس إماما ... .
توجه الشيخ مع نخبة من أهل الخير إليه .
استقبلهم ببرود له ألف مبرر ومبرر ، خاطبه الشيخ بكل ماله من أشياء جميلة إلا أنه رفض بكل قسوة وعناد .
خرج الحضور بينما الزوج قابع في مكانه لا حراك جسدي ولا حراك معنوي يخبر عن كائن بشري حي ،أجل إن المرأة مثل الزهرة ...إذا قلعت من مكانها تتوقف عن الحياة . وليم شكسبير .
رجع والده بعد أن ودعهم ليرمقه بابتسامة خبيثة كنشوة انتصار مزيف لا مرآة لهوصدق الشعر ذات حكمة حيث قال :
قوم إذا صفع النعال وجوههم نادى النعال أين مني المهرب
اتصل الشيخ إلى والدها الذي ينصهر ارتقاباً وسط بوارق من الأدعية راجياً من الله سبحانه وتعالى أن يفرج بلطفه على ابنته المثكولة .
ذبذبات دموعها البكائية لا تجافي مسمعه بين الفينة والفينة .
انهارت أعصابه مما سمعه من الشيخ مستعيناً على ذلك بالتمسك بالعلي القدير متعوذاً من الشيطان الرجيم .
برقت عذابات رمش لم ترحمه الأيام من وجع الخبر ، يا ترى كيف يخبرها بنبأ طلاقها ... .
جالست كانت وبين خيوط الرمل كان طفلها ، ترضعه ، تمرر أصابعها المرتجفة وسط شعره المنساب كفراشة من حرير ...
تقدم نحوها والعبرات تختنق في كل جسده ، كيف يخبرها بخبر طلاقها ، تراجع قليلاً بعدما أحست عليه ، رفعت رأسها ورمقته بابتسامة قرمزية الخجل .
شد من عزمه وتقدم واضعاً يده الحنونة بعد أن استقر به المكان ، ذرف من الدمع الشيء الكثير وفجأة : صرخ الرضيع حينما سقط حيث أن أمه قد فارقت روحها الحياة .
سقط على ابنته يعانقها وهو ينادي على أمها بأعلى صوته وهو يخبرهم بوفاتها ، حضرت وانهارت على ابنتها باكية ، كل هذا والرضيع مازال يصرخ .
    



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق