طُفُوْلَةْ غُرْبَة
هِيَ اِمْتِدَادُ غُرْبَتِنَا ِفْي هَذِهِ الدُنَيَا
الحَرْفُ الأَوَلُ مِنْ الْغُرْبَةِ
وِلِدْتُ فِيْ إِحْدَى الْقُرَى وَكَانَتْ طُفُوْلَتِيْ مُثْقَلَةٌ بِالِتْيهِ فَأَبِيْ أَبِيْ الَذِيْ لَمْ أَرَاهُ كَانَ فِيْ يَوْمِ وِلَاْدَتِيْ مُتَوَجِهً إِلَى الْمُسْتَشْفَى حَيْثُ أُمِيْ تَتَكَبَدُ الْآلَاْمُ فِيْ سَبِيْلِ أَنْ يَبْزُغْ النُوْرُ بِمِرْآةِ عَيْنَيَ وَبَيْنَمَا هِيَ كَذَلِكَ إِذْ أَطْلَقْتُ صَرْخَةً هِيَ تَسَرُبْ النُوْرُ عَبْرَ جَسَدِيْ بَيْنَمَا أَبِيْ دُهِسَ عِنْدَ بَوَابَةِ الْمُسْتَشْفَى بَعْدَ نُزُوْلِهِ مِنْ سَيَارَةِ الْأُجْرَةِ لِيَصْرُخْ إِيْذَاْنَاً بِخُرْوُجِ رُوْحِهِ وَامْتِزَاجُهَا بِالْقَدَاسَةِ لِتُصْبِحَ
هِيَ اِمْتِدَادُ غُرْبَتِنَا ِفْي هَذِهِ الدُنَيَا
الحَرْفُ الأَوَلُ مِنْ الْغُرْبَةِ
وِلِدْتُ فِيْ إِحْدَى الْقُرَى وَكَانَتْ طُفُوْلَتِيْ مُثْقَلَةٌ بِالِتْيهِ فَأَبِيْ أَبِيْ الَذِيْ لَمْ أَرَاهُ كَانَ فِيْ يَوْمِ وِلَاْدَتِيْ مُتَوَجِهً إِلَى الْمُسْتَشْفَى حَيْثُ أُمِيْ تَتَكَبَدُ الْآلَاْمُ فِيْ سَبِيْلِ أَنْ يَبْزُغْ النُوْرُ بِمِرْآةِ عَيْنَيَ وَبَيْنَمَا هِيَ كَذَلِكَ إِذْ أَطْلَقْتُ صَرْخَةً هِيَ تَسَرُبْ النُوْرُ عَبْرَ جَسَدِيْ بَيْنَمَا أَبِيْ دُهِسَ عِنْدَ بَوَابَةِ الْمُسْتَشْفَى بَعْدَ نُزُوْلِهِ مِنْ سَيَارَةِ الْأُجْرَةِ لِيَصْرُخْ إِيْذَاْنَاً بِخُرْوُجِ رُوْحِهِ وَامْتِزَاجُهَا بِالْقَدَاسَةِ لِتُصْبِحَ
قِدِيْسَةً .
خَرَجَتْ أُمِيْ مِنْ الْمُسْتَشْفي بَعْدَ شَهْرٍ مِنَ الْمُعَانَاةِ أَمَا أَنَا خَرَجْتُ بَعْدَ أَيَامٍ ثَلَاْثِ ، أَخَذَتْنِيْ جَدَتِيْ مِنْ أُمِيْ لِأَعِيْشَ ضَيْفَاً ثَقِيْلَاً عَلَى أُسْرَةٍ تَقْتَاتُ مِمَا يَحْصُدُهُ الْجَدُ فِيْ بُسْتانِهِ ، الْبُسْتَانِ الَذِيْ ضَمَ غُرْفَةً لَهُ وَلِزَوْجِهِ مَعَ مَطْبَخٍ صَغِيْرٍ يُلَبِيْ حَاْجَتَهُمَا وَفِيْ الطَرَفِ الْأَيْمَنِ بَعِيْدَاً دَوْرَةْ مِيَاهٍ مُقَعَرَةٍ ، مِنْ سَعَفِ النَخْلِ هَذَا الْمَنْزِلْ .
حَضَرَتْ أُمِيْ لِتَعِيْشَ مَعَنَا فِيْ الْبُسْتَاْنِ لِأَنَهَا إِنْسَاْنَةٌ يَتِيْمَةٌ فَقَدْ تَرَبَتْ هُنَا مُنْذُ صِغْرَهَا وَهَاْهِيَ الْيَوْمَ تَعُوْدُ إِلَى حَيْثُ كَاْنَتْ قَدْ بَدَأَتْ ، يَاْ لِهَذِهِ الْحَيَاْةُ كَيْفَ تُدَاْرْ وَمَا هِيَ الْحِكْمَةُ فِيْ أَحْدَاْثِهَا ؟ .
مَرَتْ الَدَقْاِئِقُ وَالسَاْعَاْتُ وَالْأَيَاْمُ وَالْأَشْهُرُ وَالْسِنِيْنُ لِأَتَجَاْوَزَ مَرْحَلَةِ الْطِفُوْلَةِ بِمَا فِيْهَا مِنْ سَعَاْدَةٍ وَحُزِنْ ، جُوْعٍ وَشِبْهُ شَبَعٍ إِلَاْ أَنِيْ شُبِعْتُ حَنَاْنَاً مِنْ الْجَمِيْعِ فَالْكُلُ يَلُفُنِيْ بِلُطْفِهِ وَحَنَاْنِهِ ، عَمِلُوْا جُهْدَهُمْ عَلَى أَنْ لَاْ أَرَى وَأَحِسَ بِالْأَلَمْ الَذِيْ يَكْتَنِفَهُمْ مِنْ ضَنَكِ الْعَيْشِ ، أَصْبَحْتُ شَاْبَاً وَتَفَتَحَتْ أُمُوْرٌ بِدُنْيَا جَسَدِيْ وَعَقْلِيْ ، اِنْتَقَلَتْ أُمِيْ إِلَى الْقَدَاْسَةِ لِتُصْبِحَ هي الْأُخْرَى قِدِيْسَةً بِجَاْنِبْ أَبِيْ حِيْنَمَا سَقَطَتْ وَهِيَ تَجْمَعُ حَبَاْتِ الْبُرْتِقَاْلِ مِنَ الْبُسْتَاْنِ ، أَصَاْبَنِيْ الْوَجَعُ الْكَبِيْرِ لِرَحِيْلِهَا فَأَبِيْ أَغْمَضَ عَيْنَيْهِ وَأَنَا كُنْتُ أَخْرُجُ إِلَى نُوْرِ الْحَيَاْةِ أَمَا أُمِيْ فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا وَهْيَ تُفَاْرِقُ الْحَيَاْةِ ، أَخَذْتُهَا إِلَى حُضْنِيْ عَبْرَ مَسَاْفَاْتٍ مِنْ الْعِشْقِ وَالْحُرْمَاْنِ ، أَسْتَرْجِعُ الْآهَاْتِ مُنْذُ أَبِيْ وَإِلَى أُمِيْ وَامْتِدَاْدَاً بِجَدِيْ وَجَدَتِيْ ، الْشِيءُ الَذِيْ أَضَاْفَ لِجُرْحِيْ جُرْحَاً آخَرَ هِيَ ( وِيْلْتُوْنَ ) اِبِنْتَ عَمِيْ الَتِيْ تَأْتِيْ إِلَى الْبُسْتَاْنِ وَتُشَاْرِكُنَا كُلَ شَيْءٍ رَاْفِضَةً بِقُوَةٍ الْبِرِسْتِيْجِ الَذِيْ اِعْتَاْدَتْ عَلِيْهِ هَذِهِ الْعَاْئِلَةِ الْأَرُسْتُقْرَاْطِيَةِ كَأَنَ الْزَمَنَ الْمَاْضِيْ سَيُعِيْدُ نَفْسَهُ مِنْ نَاْفِذّتِهَا ( وِيْلُتُوْنَ ) .
اِنْتَاْبَنِيْ الْقَلَقُ بُرَهَاْتٍ كَثِيْرَةٍ عبر اِشْتِعَاْلَاْتِ الْقَلْبِ كُلَمَا أَطَلَتْ كَالْنَدَى يَنْسَاْبُ عَلَى أَوْرَاْقِ الْشُجَيْرَاْتِ الْصَغِيْرَةِ كَرَسْمِ مَاْءٍ مُتَطَاْيِرٍ بِالْأَجْوَاْءِ ، عَيْنَاْهَا تَرْمُقُنِيْ بَيْنَ الْفَيْنَةِ وَالْأُخْرَى وَأَنَا أَسْتَشْعِرُهَا ، يُرَاْقِصُنِيْ قَوَاْمُ جَسَدِهَا عِشْقَاً فَأَمْضِيْ إِلَى حَيْثُ كُنَا ذَاْتَ لُطْفٍ مَعَ أُمِيْ تَحْكِيْ لَنَا قِصَةَ اِرْتِبَاْطِ جَدِيْ وَ جَدَتِيْ بَعْضِهِمَا بِبَعْضٍ ٍ فَإِنَهُمَا قَدْ عَاْنَقَا مَسَاْمَاْتِ الْغَرَاْمِ بِكُلِ لِذَتِهِ وَمُعَاْنَاْتِهِ ضَاْرِبِيْنَ الْبُرُوْتُوْكُوْلَاْتِ الْأُرُسْتُقْرَاْطِيَةِ الَتِيْ تُحِيْكُهَا الْأُسْرَةُ عَرْضَ الْجِدَاْرِ مِمَا جَعَلَ الْآخَرُوْنَ فِيْ الْأُسْرَةِ لَاْ يَدَخِرُوْا جُهْدَاً فِيْ قَمْعِ هَذَيْنِ الْقَلْبَيْنِ إِلَاْ أَنَهُمَ فَشِلُ فِيْ ذَلِكَ وَأُحْبِطَتْ جَمِيْعَ مُؤَاْمَرَاْتِهِمْ .
نَمَا مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) وَتَرَعْرَعَ مَا بَيْنَ حِكَاْيَاْتِهَا وَبِجَاْنِبِهِ الْقُرْمُزِيْ مِنْ حَيَاْتِهِ تَرَعْرَتْ ( وِيْلتُوْنَ ) كَعَاْشِقَيْنِ نُسِجَ مِنْ حِكَاْيَةِ الْجَدْ الْعَاْشِقِ وَمَضَاْتُ عُشْقٍ كَأَنَهُمَا مِرْآةٌ صَاْفِيَةٌ تُعِيْدُ الْمَاْضِيْ .
طَلَبَ الْمَلِكْ مِنَ الْجَدِ الْمُثُوْلَ أَمَاْمَهُ فِيْ مَقْصُوْرَتَهُ الْخُرَاْفِيَةِ ، رَكَزَ الْجَدُ عَصَاْهُ الْتِيْ يَتَوَكَأُ عَلَيْهَا عَبْرَ حُبَيْبَاْتِ الْتُرَاْبِ الْقَاْسِيَةِ كَحَاْلَةِ رَفْضٍ أَوْ كَحَاْلَةِ ثَوْرَةٍ رُبَمَا تَبْدَأْ .
دَخَلَ بِثَبَاْتٍ يَحْمِلُ قَلْبَاً اِخْتَزَنَ آلَاْمَ الْمَاْضِيْ وَتَطَلُعَاْتِ الْمُسْتَقْبَلِ الْمُشْرِقِ ، إِنَهُ يُؤْمِنُ بِأَنَ الدَمَ هُوِ الَذِيْ سَيُنْقِذَ الْقَرْيَةَ مِنْ هَذَا الْظُلْمِ وَمِنْ هَذَا الْمَلِكُ الَذِيْ يَقْتَاْتُ عَلَى آهَاْتِ رَعِيَتِهِ ، فَوْرَ وُصُوْلِهِ قَاْمَ الْمَلِكُ مُخَاْطِبَاً لَهُ بِلُطْفٍ طَاْلِبَاً مِنْهُ بَيْعَ مَزْرَعَتِهِ الَتِيْ قَضَى عُمْرَهُ وَعُشْقَهُ فِيْهَا بِأَلْفِ قِطْعَةٍ مِنَ الْذَهَبْ إِلَاْ أَنَهُ رَفَضَ بِإِصْرَاْرٍ مِمَا جَعَلَ الْمَلِكْ يَصْرَخْ بِوَجْهِهِ مُتَوَعِدَاً ، أَدَاْرَ الْجَدُ طَرْفَهُ بِثَبَاْتٍ يَخْتَزِلُ الْعِزَةَ وَالْكَرَاْمَةِ لِيُبْصِرَ الْمَلِكُ ظَهْرَاً أَذَاْبَتْهُ الْمَآسِيْ فَتَرَاْهُ مُتَقَوِسَاً أَشْبَهَ مَا يَكُوْنُ بِنَبْلٍ يُعَاْنِقُ الْسَهْمَ لِيَشْتَدَ مِلْئَ شَدْقَيْهِ فِيْ اِنْتِظَاْرِ اِنْطِلَاْقَةٍ .
اِسْتَدْعَى الْمَلِكُ وَزِيْرَهُ ( بِرْدَاْنُوْ ) لِيَأْخُذْ رَأْيَهُ ، حَضَرَ الْوَزِيْرُ يَمْشَيْ بِعُهْرٍ كَعَاْدَتِهِ مُنْتَشِيَاً أَخْبَرَهُ الْمَلِكُ بِمَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَدْ ، بَزَغَتْ فِكْرَةٌ فِيْ ذِهْنِ الْوَزِيْرِ وَهْيَ قَتْلُ الْجِدْ عَنْ طَرِيْقِ الْمَلِكِ ، سُرَ الْمَلِكُ بِقْتِرَاْحَهُ مَعَ شَيْءٍ مِنَ الْقَلَقِ خَوْفَاً مِنْ حُدُوْثِ ثَوْرَةٍ تُهَدِدُ مُلْكَهُ إِلَاْ أَنَ الْوَزِيْرَ اِسْتَخْدَمَ دَهَاْئِهِ الْمَعْرُوْفُ لَدَى الْكُلِ فِيْ الْمَقْصُوْرَةِ وَالْقَرْيَةِ فِيْ إِقْنَاْعِ الْمَلِكِ فَأَوْكَلَ الْمَلِكُ الْمُهِمَةَ إِلَيْهِ فَانْتَشَى زَهْوَاً وَمَضَى حَيْثُ الْجَرِيْمَةِ تَنْتَظُرْ .
زَاْرَ بَعْضُ رِجَاْلِ الْقَرْيَةِ الْجَدَ حَتَى يَطَلِعُوْا عَلَى مَا قَاْلَهُ الْمَلِكُ لَهُ وَكَيْفَ سَتَكُوْنُ عَلَيْهِ الْقَرْيَةَ فِيْ الْأَيَاْمِ الْمُقْبِلَةِ ، طَمْئَنَ خَوْفَهُمُ الْجِدَ بِمَا يَمْلِكُهُ مِنْ حِكْمَةٍ ، إِنَ الْمَلِكَ يُرِيْدُ أَنْ أَبِيْعَهُ مَزْرَعَتِيْ وَلَمَا رَفَضْتُ صَرَخَ بِوَجْهِيْ مُهَدِدَاً ، حَلَ الْرُعْبُ عَلَى الْحَاْضِرِيْنِ فَفِيْهِمْ مَنْ كَاْنَ مَوْقِفَهُ كَمَوْقِفِ الْجَدِ لَاْ يَبِيْع أَرْضَهُ مَهْمَا حَصَلَ حَتَى لَوْ دَعَا الْأَمْرَ إِلَى الْتَضْحِيَةِ بِالْغَاْلِيْ والْنَفِيْسِ فَلَنْ يَكُوْنُوْا غُرَبَاْءَ فِيْ أَرْضِهِمْ يَتَسَكَعُوْنَ فِيْ الْطُرُقَاْتِ مِنْ أَجِلْ لُقْمَةِ الْعَيْشِ وَهُمْ يَمْتَلِكُوْنَ الْأَرْضِ .
وَصَلَ الْوَزِيْرُ خَبَرَاً مَفَاْدَهُ أَنَ اَبْنَتَهُ ( وِيْلُتُوْنَ ) تَعْشَقُ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) عَنْ طَرِيْقِ رِسَاْلَةٍ كَاْنَتْ قَدْ كَتَبْتَهَا ذَاْتَ عِشْقٍ وَطَلَبَتْ مِنَ الْخَاْدِمِ أَنْ يُرْسِلُهَا إِلَى الْعَشِيْقِ فِيْ بُسْتَاْنِ الْعِشْقِ وَبَدَلَ مِنْ أَنْ يُوْصِلَهَا إِلَى مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) أَوْصَلَهَا إِلَى مَدَاْمِ
( بِرُوْنِتِيْ ) زَوْجَتَهُ فَأْخْبَرَتْهُ بِمَا يَحْدُثْ مِنْ حَوْلَهُ دُوْنَ عِلْمِهِ ، فِيْ الْوَهْلَةِ الْأُوْلَى خَمَنَ أَنْ يَكُوْنَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْغِيْرَةِ فِهْيَ لَمْ تُنْجِبْ لَهُ لَاْ وَلَدَاَ وَلَاْ حَتَى بِنْتَاَ حَيْثُ أَنَهُ لَيْسَ لَدِيْهِ سِوَى اِبْنَتِهِ ( وِيْلُتُوْنَ ) مِنْ زَوْجَتِهِ الْأُوْلَى مَدَاْمَ ( سِوِيْنِيْ ) الَتِيْ فَاْرَقَتْ الْحَيَاْةَ بِسَبَبِ مَرَضٍ أَصَاْبَهَا فِيْ رَيْعَاْنِ شَبَاْبِهَا إِلَاْ أَنَهُ تَأَكَدَ مِنْ صِحَةِ زَعْمِهَا عِنْدَمَا أَعْطَتْهُ الْرِسَاْلَةِ فَاْسْتَشَاْطَ غَضَبَاَ عَلَى الْجَدِ أَخَاْهُ الْأَكْبَرَ وَعَلَى مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) ، الْجَدُ الَذِيْ حَرَمَهُ مِنْ ثَرْوَةِ وَالِدَهُمَا الَذِيْ أَوْصَى قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَنْ تُقَسَمَ عَلِيْهِمَا بِالْعَدْلِ وَالْتَسَاْوِيْ .
فَوْرَ وُصُوْلِهِ إِلَى الْمَنْزِلِ تَوَجَهَ مُبَاْشَرَةً إِلَى غُرْفَتِهَا فَرَآهَا مُسْتَلْقِيَةً عَلَى فِرَاْشِهَا ، رَمَقَهَا بِعَيْنَيْهِ الْغَاْضِبَتِيْنِ ، نَهَضَتْ مِنْ فِرَاْشِهَا فَزِعَةً ، صَرَخَ بِوَجْهِهَا قَاْئِلَاً : اِبْتَعِدِيْ عَنْ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) مِنْ هَذِهِ الْلَحْظَةِ ، اِخْتَنَقَتْ بِعَبْرَتِهَا وَلَكِنَهَا هَذِهِ الْمَرَةِ لَمْ تَخْضَعْ لِلْصَمْتِ كَمَا اِعْتَاْدَتْ عَلِيْهِ عِنْدَمَا يَكُوْنُ مُتَوَتِرَاً خَوْفَاً مِنْهُ فَلَقَدْ كَاْنَ يَتَعَاْمَلْ مَعَ أُسْرَتِهِ كَمَا لَوْ كَاْنَ فِيْ مَقْصُوْرَةِ الْمَلِكِ فَالْكُلِ يَتَجَنَبَهُ وَيُلَبِيْ طَلَبَاْتِهِ حَتَى لَاْ تَسْقُطْ عَلَيْهِ عَصَا الْكَلِمَاْتِ الْنَاْبِيَةِ الْمُتَعَفِنَةِ .
تَحَرَكَتْ شَفَتَيْهَا لِتُعْلِنَ لَهُ بِأَنَهَا تُحِبَهُ ، تَعْشَقَهُ ، هُوَ صَلَاْتُهَا وَمِرْآةُ وُجُوْدِهَا ، هُوَ الْهَوَاْءُ الَذِيْ تَتَنَفَسَهُ ، هُوَ الْمَاْءُ الَذِيْ تَرْتَشِفَهُ ‘ هُوَ الْحَيَاْةُ كُلِهَا ، رَفَعَ كَفَيْهِ وَصَفَعَهَا صَفْعَةً سَقَطَتْ إِثْرِهَا عَلَى الْأَرْضِ غَاْئِبَةً عَنِ الْوَعْيِ ، جَاْءَتْ زَوْجَتُهُ مُسْرِعَةً بَعْدَ أَنْ سَمِعَتْهَا تَصْرُخْ بِصَوْتٍ عَاْلٍ فَرَأَتْهَا مُلْقَاْةٌ عَلَى الْأَرْضِ ، وَقَفَتْ تَنْظُرُ بِهَلَعٍ يَسْتَبْطِنُ الْرَاْحَةَ بَيْنَمَا هِيَ عَلَى الْأَرْضِ لَاْ زَاْلَتْ .
أَفَاْقَتْ ( وِيْلُتُوْنَ ) مِنْ إِغْمَاْءَتِهَا لِتَجِدْ جَسَدَهَا يَفْتَرِشُ الْأَرْضَ ، مَشَتْ خُطُوَاْتٍ ثَقِيْلَةٍ يَتَخَلَلُهَا الْأَلَمُ بِكُلِ نَوَاْحِيْهِ ، اِسْتَقَرَ بِهَا الْمَكَاْنُ عِنْدَ الْمِرْآةِ فَقَضبَتْ حَاْجِبَيْهَا وَهِيَ تَرْمِقُ وَجْهَاً كَاْنَ يَوْمَاً تَعْلُوْهُ الْنُعُوْمَةُ إِلَى وَجْهٍ مُكَلَلٍ بِالْبُقَعِ الْحَمْرَاْءِ الْمُتَوَرِمَةِ بِخَدِها وَعَلَى جَبْهَتِهَا ، وَضَعَتْ كِلْتَا يَدَيْهَا لِتُلَاْمِسَ هَذِهِ الْبُقَعُ فِيْ عَمَلِيَةِ اِسْتِكْشَاْفِ حُضُوْرٍ فَتَأِنُ وَجَعَاً ، حَاْوَلَتْ تَذَكُرَ مَا حَدَثْ وَمِنْ أَيْنَ جَاْءَتْ هَذِهِ الْبُقَعُ الْحَمْرَاْءِ ، اِعْتَصَرَ قَلْبُهَا حِيْنَ طَاْفَتْ عَلَى مُخَيَلَتُهَا مَا جَرَى بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَالِدُهُا ، أَخَذَتْ تَجُوْلُ بِغُرْفَتِهَا تَبْحَثُ عَنْ حَلٍ يُنْقِذُهَا فَجْأَةً صَرَخَتْ وَجَدْتُهَا وَجَدْتُهَا .
أَخَذَتْ مَا تَحْتَاْجَهُ مِنَ الْأَمْتِعَةِ تَكْفِيْ لِتُمَاْرِسَ حَيَاْتِهَا الْيَوْمِيَةِ وَانْطَلَقَتْ نَاْحِيَةِ الْبُسْتَاْنِ وَحِيْنَمَا وَطَأَتْ قَدَمَاْهَا خُضْرَةِ الْبُسْتَاْنِ أَبْصَرَتْ الْجَدَةُ تَسْقِيْ شَجَرَةِ الْبُرْتِقَاْلِ ، أَسْرَعَتْ نَحْوَهَا بِبُكَاْءٍ يَذْبَحُ نَدَاْوَةِ الْوِرَيْقَاْتِ الْخَضْرَاْءِ ، لَاْحَظَتْ الْجَدَةُ قُدُوْمِ
( وِيْلُتُوْنَ ) ، فَتَحَتْ ذِرَاْعَيْهَا لِتَضُمَهَا ، اِلْتَصَقَتْ أَضْلَاْعُهُمَا لِتَبْكِيْ ( وِيْلُتُوْنَ ) فَتَبْكِيْ الْقَرْيَةِ فِيْ بُكَاْءِ الْجَدَةِ .
أَخْبَرَتْ ( وِيْلُتُوْنَ ) الْجَدَةُ بِمَا حَصَلَ حِيْنَ سَأَلَتْهَا عَنِ الْبُقَعِ الْمُتَكَوِرَةِ بِوَجْهِهَا فَامْتَعَضَتْ الْجَدَةُ حَسْرَةٍ وَأَلَمَا .
اِسْتَرْجَعَتْ أَنْفَاْسَهَا عَبْرَ حَنَاْنِ الْجَدَةِ مِمَا جَعَلَهَا تُسِرُ عَمَا فِيْ قَلْبِهَا بِشَأْنِ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) ، اِبْتَسَمَتْ الْجَدَةُ بِدَوْرِهَا لِتُخْبِرُهَا بِحُبْ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) لَهَا ، أَشْرَقَتْ اِبْتِسَاْمَةٍ بَرِيْئَةٍ مَمْزُوْجَةٍ بِحُمْرَةٍ اِرْتَسَمَتْ عَلَى خَدَيْهَا بِجَاْنِبِ حُمْرَةِ الْبُقَعِ كَاْنَتْ ذُبِحَتْ فِيْ دَقَاْئِقٍ مَضَتْ وَلَاْ تَتَمَنَى رُجُوْعِهَا .
دَخَلَ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) حَاْمِلَاً فَوْقَ كَتِفَيْهِ الْقَلِيْلَ مِنَ الْلَحْمِ أَحْضَرَهُ مِنَ الْسُوْقِ لِيَكُوْنَ وَجْبَةِ غَذَاْءٍ مِنْ صُنْعِ الْجَدَةِ ، وَقَعَتْ عَيْنَاْهُ عَلَى ( وِيْلُتُوْنَ ) وَهْوَ يُلْقِيْ الْتَحِيَةَ رَمَقْتَهُ ( وِيْلُتُوْنَ ) بِعَيْنَيْهَا الْمُعَتَقَةِ الْزُرْقَةِ كَقُبْلَةٍ عَاْشِقَةٍ تَتَأَرْجَحِ عَلَى شَفَتَيْ الْعُشْقِ ، اِنْسَحَبَتْ الْجَدَةُ بَيْنَمَا مسْيُوْ جيْرَمَوْ وَوِيْلُتُوْنَ هَائِمَان وَسْطَ النَظَرَاتِ حَيْثُ تَعَطَلَتْ الْكَلِمَاتُ لِتَكُوْنَ الْنَظْرَةُ أَكْبَرَ دَلَاْلَةٍ مِنْهَا .
أَحَسَتْ وِيْلُتُوْنَ بِطَاَقَةٍ قَوِيَةٍ تَتَفَاَعَلُ بِدَاْخِلِهَاَ فَحَمَلَتْ جَسَدَهَا وَعَانَقَتْهُ وَهِيَ تَهْمِسُ : أُحِبُكَ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) أَجَاَبَهَا فِيْ شِبْهِ غَيْبُوْبَةٍ : أُحِبُكِ ، أَنْتِ الْأَرْضُ بِحَنَانِهَا ، قَاطَعَتْهُ بِدِفءِ عِنَاَقٍ : أَنْتَ مُتَعَلِقٌ بِاْلأَرْضِ ، قَاَطَعَهَا بِقُبْلَةٍ هَادِئَةٍ : الْأَرْضُ يَا حَبِيْبَتِيْ هِيَ جَذْوَةُ الْحُبِ وَمِنْهَا وَفِيْهَا تَنْبِتُ الْأَرْوَاْحُ لِتُمَاَرِسَ الْحَيَاَةَ فِيْ وِدٍ .
اِنْصَهَرَ الْعِنَاقُ وَالْجَدَةُ تُرَاْقِبُهُمَا مِنْ نَاَفِذَةِ الْغُرْفَةِ وَهِيَ تَبْتَسِمُ .
وَصَلَ الْجَدُ إِلَىْ الْبُسْتَانِ رَاجِعَاً مِنْ الإجْتِمَاعِ الْذِيْ عُقِدَ فِيْ إِحْدَى مَزَاْرِعِ الْقَرْيَةِ مِنْ أَجْلِ إِعْدَادِ الْعُدَةِ لِمُوَاجَهَةِ الْمَلِكِ وَتَحَسُبَاً لِأَيِ حَدَثً مُفَاجِئ ٍ.
تَقَدَمَتْ الجَدَةُ بِهُدُوْءٍ نَحْوَهُ وَانْتَحَتْ بِهِ جَانِبَاً لِتُخْبِرَهُ بِمَا جَرَى فِيْ مَنْزِلِ أَخِيْهِ وَمَا لَاقَتْهُ ( وِيْلُتُوْنَ ) هُنَاكَ ، اِضْطَرَبَتْ مَفَاصِلَهُ غَضَبَاً لِتَخْرُجَ الكَلِمَاتِ مِنْ قَلْبٍ أَتْعَبَتْهُ الآلَامُ : يَا لَهُ مِنْ رَجُلٍ ، إِلَى مَتَى سَوْفَ يُفِيْقُ مِنْ غَشْوَتِهِ وَضَلَالَةِ طَرِيْقَهُ ، أَلَمْ تُعَلِمْهُ الحَيَاةُ بِأَنَ الظُلْمَ لَا بُدَ لَهُ مِنْ يَوْمٍ وَيُقْهَرُ ، أَلَمْ تُعَلِمُهُ الحَيَاةُ أَنَ يُرْشِفَ الآخَرُوْنَ الحَنَانَ وَيُشْعِلَ فَانُوْسَاً يُنِيْرُ لَهُمَ الطَرِيْقَ ، أَلَمْ تُعَلِمَهُ الحَيَاةُ أَنْ يَرْسُمَ عَلَى الشِفَاهِ البَائِسَةِ بَسْمَةً مِنْ مَاءِ ، أَوَصَلَ بِهِ الظُلمُ أنْ يُمَزِقَ اِبْنَتَهُ ( وِيْلُتُوْنَ ) تِلْكَ الفَتَاةُ الجَمِيْلَةُ ذَاتُ الرُوْحِ القِدِيْسَةُ ، قَاطَعَتْهُ خَوْفَاً مِنْ نَوْبَةٍ قَلْبِيَةٍ قَدْ تُصِيْبَهُ : لَدِيْ خَبَرُ سَيُسْعِدُكَ ، اِرْتَمَى عَلَى فِرَاشِهِ وَكُلَهُ آذَانٌ صَاغِيَةُ ، مَا هُوَ ؟ .
إَنَ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) وَ ( وِيْلُتُوْنَ ) بَيْنَهُمَا قِصَةَ حُبٍ ، إِنَهُمَا عَاشِقَانِ ، لَقَدْ أَفْضَى كُلَاً مِنْهُمَا لِيْ عَنْ حُبِهِ ، كَمْ أَنَا مَسْرُرَةٌ لَهُمَا كَثِيْراً ، تَنَفَسَ الجَدُ الحَيَاةَ صَافِيَةٍ كَأَنَمَا رَشْفَةٌ مِنْ مَاءٍ بَارِدٍ نَزَلَتْ عَلَى جِسْمِهِ فِيْ يَوْمٍ شَدِيْدِ الحَرِ لِيَنْتَفِضَ جَسَدَهُ كَقِطَةٍ تَنْتَفِضُ مِنْ غَسْلَتِ مَاءٍ .
اِنْتَهَى الوَزِيْرُ مِنْ نَسْجِ الخُطَةِ لِقَتْلِ الجَدِ وَقَرَرَ أَنْ يَكُوْنَ التَنْفِيْذُ فِيْ اليَوْمِ التَالِيْ .
فِيْ اليَوْمِ التَالِيْ اِسْتَيْقَظَ الوَزِيْرُ مُبَكِرَاً وَأَمَرَ بِمُثُوْلِ مُعَاوِنَهُ ( جُوْنِيْ ) لِيَتِمَ تَنْفِيْذِ الجَرِيْمَةِ بِسِرِيَةٍ تَامَةٍ ، هَزَ رَأسَهُ بِخُبْثِ القَتْلِ المَعْهُوْدِ لَدَى المُجْرِمِيْنَ المُحْتَرِفِيْنَ .
وَقَفَ ( سِلَاذْفُوْرُ ) الجُنْدِيْ المُكَلَفْ بِالقِيَامِ بِالعَمَلِيَاتِ السِرِيَةِ لَدَى الوَزِيْرُ ، بَعِيْدَاً بَعْضَ الشَيِءِ عَنْ بَوَابَةِ البُسْتَانِ كَانْ يَنْتَظْرُ خُرُوْجَ الجَدِ مُتَوَجِهَاً إِلَى السُوْقِ لِيَبِيْعَ مَحْصُوْلَهُ لِهَذَا اليَوْمِ هَذَا اليَوْمُ الَذِيْ هُوَ آخِرَ يَوْمٍ فِيْ حَيَاتِهِ ، إِنَهُ مُصْبِحٌ لَا يَدْرِيْ مَا يُخَبِئَهُ الزَمَنْ .
خَرَجَ الجَدُ بِعَرَبَتِهِ وَحِيْنَمَا أَصْبَحَ فِيْ مُحَاذَاتِهِ اِنْقَضَى عَلَيْهِ بِسَيْفِهِ المُشَبَعِ بِالسُمِ مُهَشِمَاً رَأسَهُ لِيَلُوْذُ بِالفِرَارِ ، اِجْتَمَعَ النَاسُ حَوْلَ الجِثَةِ لِيَمْضِى بَعْضَهُمْ بِاتِجَاهِ القَاتِلِ فَيَظْفَرُوْا بِهِ وَيُذِيْقُوْهُ مَا أَذَاقَ بِهِ الجَدُ .
تَأَكَدَ أَهْلُ القَرْيَةِ بِأَنَ المَلِكَ وَرَاءْ مَقْتَلِ الجَدْ ، أَخَذَوْا الجُثَةَ إِلَى البُسْتَانِ غَارِقَةٌ بِدَمِهَا .
كَانَتْ الجَدَةُ وَ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) و ( وِيْلُتُوْنَ ) يَعْمَلُوْنَ فِيْ البُسْتَانِ ، تَسَرَبَتْ إِلَى أَسْمَاعِهِمُ أَصْوَاتٌ قَادِمَةٌ مِنْ نَاحِيَةِ القَرْيَةِ ، أَصْغَوْا بِدِقَةٍ فَإِذَا بِهِمُ يَسْمَعُوْنَ قَتَلَ المَلِكُ الجَدَ ، قَتَلَ المَلِكُ الجَدَ ، قَتَلَ المَلِكُ الجَدَ ، أَسْرَعُوْا نَاحِيَةِ بَوَابَةِ البُسْتَانِ ، تَجَمَدَ الزَمَنُ بِأَحْدَاقِهِمْ ، شَهَقَتْ الجَدَةُ شَهْقَتاَ فَارَقَتْ عَلَى إِثْرِهَا الحَيَاةُ بَيْنَمَا مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) وَ ( وِيْلُتُوْنَ ) عَانَقَا بَعْضُهُمَا الْآخَرَى فِيْ بُكَاءٍ جَعَلَ الآخَرُوْنَ يَضُجُوْنَ بِالبُكَاءِ .
بَعْدَ أَنْ أَوْدَعُوْا الجَدَ عَالَمَ القَدَاسَةِ ، تَوَجَهَتْ الأَعْنَاقُ إِلَى مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) تُخْبِرَهُ بِنَظَرَاتِهَا عَنْ عَزْمِهَا فِيْ نَفْضِ هَذَا الظُلْمِ الجَاثِمِ عَلَى صُدُرِهِمْ ، حَدَقَهُمْ بِذَاتِ النَظْرَةِ المُتَوَعِدَةِ تُعْلِنُ الثَوْرَةَ ، تَوَجَهَ الجَمِيْعُ إِلَى مَنَازِلَهُمْ لِيُحْضِرُوْا مَا لَدَيْهُم مِنْ عِتَادٍ لِيُقَاتِلُوْا بِهِ ، العَتَادُ الَذِيْ قَدْ بَاشَرَ الجَدُ بِتَجْهِيْزَهُ حَتَى آخِرَ يَوْمٍ فِيْ حَيَاتِهِ .
مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) خَاطَبَهَمْ بِحَمَاسِ القَائِدِ الفَتِيْ ، قُوْمُوْا ، اِنْزَعُوْا عَنْ قُلُوْبِكُم ثِيَابَ الذُلِ ، وَجِهُوْا أَنْظَارَكُمْ نَاحِيَةَ المَلِكَ ، اِحْمِلُوْا سِيُوْفَكُمْ وَكُلُ مَا تَسْقُطْ عَلَيْهِ أَيْدِكُمْ لِنَأخُذَ ثَأرَ كُلِ قَلبٍ ذَبَحَهُ المَلِكُ ، كُلَ دَمْعَةٍ سَالَتْ مِنْ عُيُوْنِ الأُمَهَاتِ ، كُلَ أَنَةِ حِرْمَانٍ بِعَيْنَي طِفْلٍ وَطِفْلَةٍ .. .
اِهْتَزَتْ الأرْضُ مِنْ تَحْتِ أقْدَامِهِمْ ، المَوْتُ لِلْمَلِكِ ، المَوْتُ لِلْمَلِكِ ، المَوْتُ لِلْمَلِكِ ، تَقَدَمَ الغَاضِبُوْنَ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) وَ ( وِيْلُتُوْنَ ) .
( وِيْلُتُوْنَ ) بِجَانِبِهِ مَاسِكَةً يَدَهُ وَعَيْنَيْهَا إِلَى السَمَاءِ مَا بَيْنَ خَائِفَةٍ وَثَائِرَةٍ ، تَمَرْكَزَ الحُرَاسُ عِنْدَ بَوَابَةِ القَصْرِ الكَبِيْرَةِ المُطِلةِ عَلَى المَقْصُوْرَةِ ، الوَزِيْرُ يُوَجِهُ القَادَة ، وصَلَ الغَاضِبُوْنَ بَاحَةَ القَصْرِ وَاشْتَبَكُوْا مَعَ الحُرَاسِ ، سَقَطْ جَمْعٌ كَثِيْرٌ مِنْ كِلا الطَرَفَيْنِ ، لاحَظَ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) الوَزِيْرُ وَهْوَ يَهِمُ بِالفِرَارِ فَتَوَجَهَ فِيْ إِثْرِهِ حَتَى ظَفِرَ بِهِ فَأَلقَمَهُ حَرَارَةَ سَيْفِهِ فَشَقَ رَأسَهُ إِلَى نِصْفَيْنِ .
هَمَ رَاجِعَاً فَوَجَدَ أَهْلُ القَرْيَةِ قَدْ قَتَلُوْا المَلِكَ ، أَشْرَقَت اِبْتِسَامَة عَلَى شَفَتِيْهِ ، هِىَ ابْتِسَامَةُ النَصْرَ المُظَفَرْ .
عَلَتْ الهِتَافَاتُ مِنَ الجَمِيْعِ تُهَنِئ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) بِقَتْلِ المَلِكِ وانْتِهَاءِ عَصْرِ العُبُوْدِيَةِ الذِيْ فَرَضَهُ عَليْهِمْ ، بَحَثَ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) عَنْ ( وِيْلُتُوْنَ ) فَلمْ يَجِدُهَا فَانْتَابَهُ القَلقُ ، أَشَارَ لَهُ أَحَدَهُمْ وَكَانَ رَجُلٌ طَاعِنٌ فِيْ السِنِ بِيَدِيْهِ إِلى جِهَةِ هُنَاكَ إِلى حَيْثُ جُثَةُ الوَزِيْرِ ، تَوَجَهَ مُسْرِعَاً لِيَرَى( وِيْلُتُوْنَ ) تَنْتَحِبُ عَلى جُثَةِ وَالِدِهَا تَذْرِفُ دُمُوْعَاً أَلهَبَتْ بِهَا قَلبَهُ فَانْحَنَى بِعَطْفِ عَاشِقٍ أَتْعَبَهُ العِشْقُ ، جَذَبَهَا إِلى جَسَدِهِ المُتْعِبِ .
فِيْ صَبَاحِ اليَوْمِ التَاليْ مِنْ الثَوْرَةِ كَانَتْ القَرْيَةُ قَدْ اسْتَرَدَتْ عِنْفُوَانَهَا المَسْلُوْبُ ، هَالَةٌ مِنَ الصَمْتِ يَلُفُ البُسْتَانِ ( وِيْلُتُوْنَ ) جَالِسَةُ بِقُرْبِ شَجَرَةِ البُسْتَانِ بَيْنَمَا مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) يَعْمَلُ فِيْ البُسْتَانِ وَعَيْنَاهُ تَطُوْفُ حَوْلَهَا بِلُطْفِ النَظْرَةَ .
اِجْتَمَعَ بَعْضُ أَهْلُ القَرْيَةِ عِنْدَ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) فَقَدْ أَجْمَعَتْ القَرْيَةُ عَليْهِ لِيَكُوْنَ المَلِكَ وَيُمَارِسَ العَدَالةَ ، عَدَالَةِ السَمَاءِ فِيْ الأَرْضِ .
يَوْمَ اِسْتِلامِهِ الحُكْمَ كَانَ يَوْمَ زَفَافِهِ مِنْهَا ، أُشْعِلَتْ الأنْوَارُ ، عُلِقَتْ الزِيْنَةُ ، اِرْتَدَتْ ثَوْبَ زَفَافِهَا وَهْيَ تَتَأَمَلُ نَفْسَهَا ، كَانَتْ هِيَ جَمِيْلةً جَمَالٍ سِحْرِيٍ جَذَابْ .
جَلسَتُ بِجَانِبِهِ مُتَوَرِدَةِ الوَجْنَتِيْنِ ، رَسَمَ قُبْلةً عَلى شَفَتِيْهَا وَمَشَى مَعَهَا عَبْرَ أًنْغَامِ الحَسْنَاوَاتِ وَهْيَ تُغَنِيْ طَرَبَاً بَيْنَمَا وَصَلَ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) وَ ( وِيْلُتُوْنَ ) إِلى حَيْثُ يَكُوْنُ الزَوْجَانِ بِليْلةِ العُرْسِ ، أَصْبَحَا وَحْدَهُمَا ، تَعَرَى العُشْقُ تَعَرَى ..
خَرَجَتْ أُمِيْ مِنْ الْمُسْتَشْفي بَعْدَ شَهْرٍ مِنَ الْمُعَانَاةِ أَمَا أَنَا خَرَجْتُ بَعْدَ أَيَامٍ ثَلَاْثِ ، أَخَذَتْنِيْ جَدَتِيْ مِنْ أُمِيْ لِأَعِيْشَ ضَيْفَاً ثَقِيْلَاً عَلَى أُسْرَةٍ تَقْتَاتُ مِمَا يَحْصُدُهُ الْجَدُ فِيْ بُسْتانِهِ ، الْبُسْتَانِ الَذِيْ ضَمَ غُرْفَةً لَهُ وَلِزَوْجِهِ مَعَ مَطْبَخٍ صَغِيْرٍ يُلَبِيْ حَاْجَتَهُمَا وَفِيْ الطَرَفِ الْأَيْمَنِ بَعِيْدَاً دَوْرَةْ مِيَاهٍ مُقَعَرَةٍ ، مِنْ سَعَفِ النَخْلِ هَذَا الْمَنْزِلْ .
حَضَرَتْ أُمِيْ لِتَعِيْشَ مَعَنَا فِيْ الْبُسْتَاْنِ لِأَنَهَا إِنْسَاْنَةٌ يَتِيْمَةٌ فَقَدْ تَرَبَتْ هُنَا مُنْذُ صِغْرَهَا وَهَاْهِيَ الْيَوْمَ تَعُوْدُ إِلَى حَيْثُ كَاْنَتْ قَدْ بَدَأَتْ ، يَاْ لِهَذِهِ الْحَيَاْةُ كَيْفَ تُدَاْرْ وَمَا هِيَ الْحِكْمَةُ فِيْ أَحْدَاْثِهَا ؟ .
مَرَتْ الَدَقْاِئِقُ وَالسَاْعَاْتُ وَالْأَيَاْمُ وَالْأَشْهُرُ وَالْسِنِيْنُ لِأَتَجَاْوَزَ مَرْحَلَةِ الْطِفُوْلَةِ بِمَا فِيْهَا مِنْ سَعَاْدَةٍ وَحُزِنْ ، جُوْعٍ وَشِبْهُ شَبَعٍ إِلَاْ أَنِيْ شُبِعْتُ حَنَاْنَاً مِنْ الْجَمِيْعِ فَالْكُلُ يَلُفُنِيْ بِلُطْفِهِ وَحَنَاْنِهِ ، عَمِلُوْا جُهْدَهُمْ عَلَى أَنْ لَاْ أَرَى وَأَحِسَ بِالْأَلَمْ الَذِيْ يَكْتَنِفَهُمْ مِنْ ضَنَكِ الْعَيْشِ ، أَصْبَحْتُ شَاْبَاً وَتَفَتَحَتْ أُمُوْرٌ بِدُنْيَا جَسَدِيْ وَعَقْلِيْ ، اِنْتَقَلَتْ أُمِيْ إِلَى الْقَدَاْسَةِ لِتُصْبِحَ هي الْأُخْرَى قِدِيْسَةً بِجَاْنِبْ أَبِيْ حِيْنَمَا سَقَطَتْ وَهِيَ تَجْمَعُ حَبَاْتِ الْبُرْتِقَاْلِ مِنَ الْبُسْتَاْنِ ، أَصَاْبَنِيْ الْوَجَعُ الْكَبِيْرِ لِرَحِيْلِهَا فَأَبِيْ أَغْمَضَ عَيْنَيْهِ وَأَنَا كُنْتُ أَخْرُجُ إِلَى نُوْرِ الْحَيَاْةِ أَمَا أُمِيْ فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا وَهْيَ تُفَاْرِقُ الْحَيَاْةِ ، أَخَذْتُهَا إِلَى حُضْنِيْ عَبْرَ مَسَاْفَاْتٍ مِنْ الْعِشْقِ وَالْحُرْمَاْنِ ، أَسْتَرْجِعُ الْآهَاْتِ مُنْذُ أَبِيْ وَإِلَى أُمِيْ وَامْتِدَاْدَاً بِجَدِيْ وَجَدَتِيْ ، الْشِيءُ الَذِيْ أَضَاْفَ لِجُرْحِيْ جُرْحَاً آخَرَ هِيَ ( وِيْلْتُوْنَ ) اِبِنْتَ عَمِيْ الَتِيْ تَأْتِيْ إِلَى الْبُسْتَاْنِ وَتُشَاْرِكُنَا كُلَ شَيْءٍ رَاْفِضَةً بِقُوَةٍ الْبِرِسْتِيْجِ الَذِيْ اِعْتَاْدَتْ عَلِيْهِ هَذِهِ الْعَاْئِلَةِ الْأَرُسْتُقْرَاْطِيَةِ كَأَنَ الْزَمَنَ الْمَاْضِيْ سَيُعِيْدُ نَفْسَهُ مِنْ نَاْفِذّتِهَا ( وِيْلُتُوْنَ ) .
اِنْتَاْبَنِيْ الْقَلَقُ بُرَهَاْتٍ كَثِيْرَةٍ عبر اِشْتِعَاْلَاْتِ الْقَلْبِ كُلَمَا أَطَلَتْ كَالْنَدَى يَنْسَاْبُ عَلَى أَوْرَاْقِ الْشُجَيْرَاْتِ الْصَغِيْرَةِ كَرَسْمِ مَاْءٍ مُتَطَاْيِرٍ بِالْأَجْوَاْءِ ، عَيْنَاْهَا تَرْمُقُنِيْ بَيْنَ الْفَيْنَةِ وَالْأُخْرَى وَأَنَا أَسْتَشْعِرُهَا ، يُرَاْقِصُنِيْ قَوَاْمُ جَسَدِهَا عِشْقَاً فَأَمْضِيْ إِلَى حَيْثُ كُنَا ذَاْتَ لُطْفٍ مَعَ أُمِيْ تَحْكِيْ لَنَا قِصَةَ اِرْتِبَاْطِ جَدِيْ وَ جَدَتِيْ بَعْضِهِمَا بِبَعْضٍ ٍ فَإِنَهُمَا قَدْ عَاْنَقَا مَسَاْمَاْتِ الْغَرَاْمِ بِكُلِ لِذَتِهِ وَمُعَاْنَاْتِهِ ضَاْرِبِيْنَ الْبُرُوْتُوْكُوْلَاْتِ الْأُرُسْتُقْرَاْطِيَةِ الَتِيْ تُحِيْكُهَا الْأُسْرَةُ عَرْضَ الْجِدَاْرِ مِمَا جَعَلَ الْآخَرُوْنَ فِيْ الْأُسْرَةِ لَاْ يَدَخِرُوْا جُهْدَاً فِيْ قَمْعِ هَذَيْنِ الْقَلْبَيْنِ إِلَاْ أَنَهُمَ فَشِلُ فِيْ ذَلِكَ وَأُحْبِطَتْ جَمِيْعَ مُؤَاْمَرَاْتِهِمْ .
نَمَا مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) وَتَرَعْرَعَ مَا بَيْنَ حِكَاْيَاْتِهَا وَبِجَاْنِبِهِ الْقُرْمُزِيْ مِنْ حَيَاْتِهِ تَرَعْرَتْ ( وِيْلتُوْنَ ) كَعَاْشِقَيْنِ نُسِجَ مِنْ حِكَاْيَةِ الْجَدْ الْعَاْشِقِ وَمَضَاْتُ عُشْقٍ كَأَنَهُمَا مِرْآةٌ صَاْفِيَةٌ تُعِيْدُ الْمَاْضِيْ .
طَلَبَ الْمَلِكْ مِنَ الْجَدِ الْمُثُوْلَ أَمَاْمَهُ فِيْ مَقْصُوْرَتَهُ الْخُرَاْفِيَةِ ، رَكَزَ الْجَدُ عَصَاْهُ الْتِيْ يَتَوَكَأُ عَلَيْهَا عَبْرَ حُبَيْبَاْتِ الْتُرَاْبِ الْقَاْسِيَةِ كَحَاْلَةِ رَفْضٍ أَوْ كَحَاْلَةِ ثَوْرَةٍ رُبَمَا تَبْدَأْ .
دَخَلَ بِثَبَاْتٍ يَحْمِلُ قَلْبَاً اِخْتَزَنَ آلَاْمَ الْمَاْضِيْ وَتَطَلُعَاْتِ الْمُسْتَقْبَلِ الْمُشْرِقِ ، إِنَهُ يُؤْمِنُ بِأَنَ الدَمَ هُوِ الَذِيْ سَيُنْقِذَ الْقَرْيَةَ مِنْ هَذَا الْظُلْمِ وَمِنْ هَذَا الْمَلِكُ الَذِيْ يَقْتَاْتُ عَلَى آهَاْتِ رَعِيَتِهِ ، فَوْرَ وُصُوْلِهِ قَاْمَ الْمَلِكُ مُخَاْطِبَاً لَهُ بِلُطْفٍ طَاْلِبَاً مِنْهُ بَيْعَ مَزْرَعَتِهِ الَتِيْ قَضَى عُمْرَهُ وَعُشْقَهُ فِيْهَا بِأَلْفِ قِطْعَةٍ مِنَ الْذَهَبْ إِلَاْ أَنَهُ رَفَضَ بِإِصْرَاْرٍ مِمَا جَعَلَ الْمَلِكْ يَصْرَخْ بِوَجْهِهِ مُتَوَعِدَاً ، أَدَاْرَ الْجَدُ طَرْفَهُ بِثَبَاْتٍ يَخْتَزِلُ الْعِزَةَ وَالْكَرَاْمَةِ لِيُبْصِرَ الْمَلِكُ ظَهْرَاً أَذَاْبَتْهُ الْمَآسِيْ فَتَرَاْهُ مُتَقَوِسَاً أَشْبَهَ مَا يَكُوْنُ بِنَبْلٍ يُعَاْنِقُ الْسَهْمَ لِيَشْتَدَ مِلْئَ شَدْقَيْهِ فِيْ اِنْتِظَاْرِ اِنْطِلَاْقَةٍ .
اِسْتَدْعَى الْمَلِكُ وَزِيْرَهُ ( بِرْدَاْنُوْ ) لِيَأْخُذْ رَأْيَهُ ، حَضَرَ الْوَزِيْرُ يَمْشَيْ بِعُهْرٍ كَعَاْدَتِهِ مُنْتَشِيَاً أَخْبَرَهُ الْمَلِكُ بِمَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَدْ ، بَزَغَتْ فِكْرَةٌ فِيْ ذِهْنِ الْوَزِيْرِ وَهْيَ قَتْلُ الْجِدْ عَنْ طَرِيْقِ الْمَلِكِ ، سُرَ الْمَلِكُ بِقْتِرَاْحَهُ مَعَ شَيْءٍ مِنَ الْقَلَقِ خَوْفَاً مِنْ حُدُوْثِ ثَوْرَةٍ تُهَدِدُ مُلْكَهُ إِلَاْ أَنَ الْوَزِيْرَ اِسْتَخْدَمَ دَهَاْئِهِ الْمَعْرُوْفُ لَدَى الْكُلِ فِيْ الْمَقْصُوْرَةِ وَالْقَرْيَةِ فِيْ إِقْنَاْعِ الْمَلِكِ فَأَوْكَلَ الْمَلِكُ الْمُهِمَةَ إِلَيْهِ فَانْتَشَى زَهْوَاً وَمَضَى حَيْثُ الْجَرِيْمَةِ تَنْتَظُرْ .
زَاْرَ بَعْضُ رِجَاْلِ الْقَرْيَةِ الْجَدَ حَتَى يَطَلِعُوْا عَلَى مَا قَاْلَهُ الْمَلِكُ لَهُ وَكَيْفَ سَتَكُوْنُ عَلَيْهِ الْقَرْيَةَ فِيْ الْأَيَاْمِ الْمُقْبِلَةِ ، طَمْئَنَ خَوْفَهُمُ الْجِدَ بِمَا يَمْلِكُهُ مِنْ حِكْمَةٍ ، إِنَ الْمَلِكَ يُرِيْدُ أَنْ أَبِيْعَهُ مَزْرَعَتِيْ وَلَمَا رَفَضْتُ صَرَخَ بِوَجْهِيْ مُهَدِدَاً ، حَلَ الْرُعْبُ عَلَى الْحَاْضِرِيْنِ فَفِيْهِمْ مَنْ كَاْنَ مَوْقِفَهُ كَمَوْقِفِ الْجَدِ لَاْ يَبِيْع أَرْضَهُ مَهْمَا حَصَلَ حَتَى لَوْ دَعَا الْأَمْرَ إِلَى الْتَضْحِيَةِ بِالْغَاْلِيْ والْنَفِيْسِ فَلَنْ يَكُوْنُوْا غُرَبَاْءَ فِيْ أَرْضِهِمْ يَتَسَكَعُوْنَ فِيْ الْطُرُقَاْتِ مِنْ أَجِلْ لُقْمَةِ الْعَيْشِ وَهُمْ يَمْتَلِكُوْنَ الْأَرْضِ .
وَصَلَ الْوَزِيْرُ خَبَرَاً مَفَاْدَهُ أَنَ اَبْنَتَهُ ( وِيْلُتُوْنَ ) تَعْشَقُ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) عَنْ طَرِيْقِ رِسَاْلَةٍ كَاْنَتْ قَدْ كَتَبْتَهَا ذَاْتَ عِشْقٍ وَطَلَبَتْ مِنَ الْخَاْدِمِ أَنْ يُرْسِلُهَا إِلَى الْعَشِيْقِ فِيْ بُسْتَاْنِ الْعِشْقِ وَبَدَلَ مِنْ أَنْ يُوْصِلَهَا إِلَى مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) أَوْصَلَهَا إِلَى مَدَاْمِ
( بِرُوْنِتِيْ ) زَوْجَتَهُ فَأْخْبَرَتْهُ بِمَا يَحْدُثْ مِنْ حَوْلَهُ دُوْنَ عِلْمِهِ ، فِيْ الْوَهْلَةِ الْأُوْلَى خَمَنَ أَنْ يَكُوْنَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْغِيْرَةِ فِهْيَ لَمْ تُنْجِبْ لَهُ لَاْ وَلَدَاَ وَلَاْ حَتَى بِنْتَاَ حَيْثُ أَنَهُ لَيْسَ لَدِيْهِ سِوَى اِبْنَتِهِ ( وِيْلُتُوْنَ ) مِنْ زَوْجَتِهِ الْأُوْلَى مَدَاْمَ ( سِوِيْنِيْ ) الَتِيْ فَاْرَقَتْ الْحَيَاْةَ بِسَبَبِ مَرَضٍ أَصَاْبَهَا فِيْ رَيْعَاْنِ شَبَاْبِهَا إِلَاْ أَنَهُ تَأَكَدَ مِنْ صِحَةِ زَعْمِهَا عِنْدَمَا أَعْطَتْهُ الْرِسَاْلَةِ فَاْسْتَشَاْطَ غَضَبَاَ عَلَى الْجَدِ أَخَاْهُ الْأَكْبَرَ وَعَلَى مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) ، الْجَدُ الَذِيْ حَرَمَهُ مِنْ ثَرْوَةِ وَالِدَهُمَا الَذِيْ أَوْصَى قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَنْ تُقَسَمَ عَلِيْهِمَا بِالْعَدْلِ وَالْتَسَاْوِيْ .
فَوْرَ وُصُوْلِهِ إِلَى الْمَنْزِلِ تَوَجَهَ مُبَاْشَرَةً إِلَى غُرْفَتِهَا فَرَآهَا مُسْتَلْقِيَةً عَلَى فِرَاْشِهَا ، رَمَقَهَا بِعَيْنَيْهِ الْغَاْضِبَتِيْنِ ، نَهَضَتْ مِنْ فِرَاْشِهَا فَزِعَةً ، صَرَخَ بِوَجْهِهَا قَاْئِلَاً : اِبْتَعِدِيْ عَنْ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) مِنْ هَذِهِ الْلَحْظَةِ ، اِخْتَنَقَتْ بِعَبْرَتِهَا وَلَكِنَهَا هَذِهِ الْمَرَةِ لَمْ تَخْضَعْ لِلْصَمْتِ كَمَا اِعْتَاْدَتْ عَلِيْهِ عِنْدَمَا يَكُوْنُ مُتَوَتِرَاً خَوْفَاً مِنْهُ فَلَقَدْ كَاْنَ يَتَعَاْمَلْ مَعَ أُسْرَتِهِ كَمَا لَوْ كَاْنَ فِيْ مَقْصُوْرَةِ الْمَلِكِ فَالْكُلِ يَتَجَنَبَهُ وَيُلَبِيْ طَلَبَاْتِهِ حَتَى لَاْ تَسْقُطْ عَلَيْهِ عَصَا الْكَلِمَاْتِ الْنَاْبِيَةِ الْمُتَعَفِنَةِ .
تَحَرَكَتْ شَفَتَيْهَا لِتُعْلِنَ لَهُ بِأَنَهَا تُحِبَهُ ، تَعْشَقَهُ ، هُوَ صَلَاْتُهَا وَمِرْآةُ وُجُوْدِهَا ، هُوَ الْهَوَاْءُ الَذِيْ تَتَنَفَسَهُ ، هُوَ الْمَاْءُ الَذِيْ تَرْتَشِفَهُ ‘ هُوَ الْحَيَاْةُ كُلِهَا ، رَفَعَ كَفَيْهِ وَصَفَعَهَا صَفْعَةً سَقَطَتْ إِثْرِهَا عَلَى الْأَرْضِ غَاْئِبَةً عَنِ الْوَعْيِ ، جَاْءَتْ زَوْجَتُهُ مُسْرِعَةً بَعْدَ أَنْ سَمِعَتْهَا تَصْرُخْ بِصَوْتٍ عَاْلٍ فَرَأَتْهَا مُلْقَاْةٌ عَلَى الْأَرْضِ ، وَقَفَتْ تَنْظُرُ بِهَلَعٍ يَسْتَبْطِنُ الْرَاْحَةَ بَيْنَمَا هِيَ عَلَى الْأَرْضِ لَاْ زَاْلَتْ .
أَفَاْقَتْ ( وِيْلُتُوْنَ ) مِنْ إِغْمَاْءَتِهَا لِتَجِدْ جَسَدَهَا يَفْتَرِشُ الْأَرْضَ ، مَشَتْ خُطُوَاْتٍ ثَقِيْلَةٍ يَتَخَلَلُهَا الْأَلَمُ بِكُلِ نَوَاْحِيْهِ ، اِسْتَقَرَ بِهَا الْمَكَاْنُ عِنْدَ الْمِرْآةِ فَقَضبَتْ حَاْجِبَيْهَا وَهِيَ تَرْمِقُ وَجْهَاً كَاْنَ يَوْمَاً تَعْلُوْهُ الْنُعُوْمَةُ إِلَى وَجْهٍ مُكَلَلٍ بِالْبُقَعِ الْحَمْرَاْءِ الْمُتَوَرِمَةِ بِخَدِها وَعَلَى جَبْهَتِهَا ، وَضَعَتْ كِلْتَا يَدَيْهَا لِتُلَاْمِسَ هَذِهِ الْبُقَعُ فِيْ عَمَلِيَةِ اِسْتِكْشَاْفِ حُضُوْرٍ فَتَأِنُ وَجَعَاً ، حَاْوَلَتْ تَذَكُرَ مَا حَدَثْ وَمِنْ أَيْنَ جَاْءَتْ هَذِهِ الْبُقَعُ الْحَمْرَاْءِ ، اِعْتَصَرَ قَلْبُهَا حِيْنَ طَاْفَتْ عَلَى مُخَيَلَتُهَا مَا جَرَى بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَالِدُهُا ، أَخَذَتْ تَجُوْلُ بِغُرْفَتِهَا تَبْحَثُ عَنْ حَلٍ يُنْقِذُهَا فَجْأَةً صَرَخَتْ وَجَدْتُهَا وَجَدْتُهَا .
أَخَذَتْ مَا تَحْتَاْجَهُ مِنَ الْأَمْتِعَةِ تَكْفِيْ لِتُمَاْرِسَ حَيَاْتِهَا الْيَوْمِيَةِ وَانْطَلَقَتْ نَاْحِيَةِ الْبُسْتَاْنِ وَحِيْنَمَا وَطَأَتْ قَدَمَاْهَا خُضْرَةِ الْبُسْتَاْنِ أَبْصَرَتْ الْجَدَةُ تَسْقِيْ شَجَرَةِ الْبُرْتِقَاْلِ ، أَسْرَعَتْ نَحْوَهَا بِبُكَاْءٍ يَذْبَحُ نَدَاْوَةِ الْوِرَيْقَاْتِ الْخَضْرَاْءِ ، لَاْحَظَتْ الْجَدَةُ قُدُوْمِ
( وِيْلُتُوْنَ ) ، فَتَحَتْ ذِرَاْعَيْهَا لِتَضُمَهَا ، اِلْتَصَقَتْ أَضْلَاْعُهُمَا لِتَبْكِيْ ( وِيْلُتُوْنَ ) فَتَبْكِيْ الْقَرْيَةِ فِيْ بُكَاْءِ الْجَدَةِ .
أَخْبَرَتْ ( وِيْلُتُوْنَ ) الْجَدَةُ بِمَا حَصَلَ حِيْنَ سَأَلَتْهَا عَنِ الْبُقَعِ الْمُتَكَوِرَةِ بِوَجْهِهَا فَامْتَعَضَتْ الْجَدَةُ حَسْرَةٍ وَأَلَمَا .
اِسْتَرْجَعَتْ أَنْفَاْسَهَا عَبْرَ حَنَاْنِ الْجَدَةِ مِمَا جَعَلَهَا تُسِرُ عَمَا فِيْ قَلْبِهَا بِشَأْنِ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) ، اِبْتَسَمَتْ الْجَدَةُ بِدَوْرِهَا لِتُخْبِرُهَا بِحُبْ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) لَهَا ، أَشْرَقَتْ اِبْتِسَاْمَةٍ بَرِيْئَةٍ مَمْزُوْجَةٍ بِحُمْرَةٍ اِرْتَسَمَتْ عَلَى خَدَيْهَا بِجَاْنِبِ حُمْرَةِ الْبُقَعِ كَاْنَتْ ذُبِحَتْ فِيْ دَقَاْئِقٍ مَضَتْ وَلَاْ تَتَمَنَى رُجُوْعِهَا .
دَخَلَ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) حَاْمِلَاً فَوْقَ كَتِفَيْهِ الْقَلِيْلَ مِنَ الْلَحْمِ أَحْضَرَهُ مِنَ الْسُوْقِ لِيَكُوْنَ وَجْبَةِ غَذَاْءٍ مِنْ صُنْعِ الْجَدَةِ ، وَقَعَتْ عَيْنَاْهُ عَلَى ( وِيْلُتُوْنَ ) وَهْوَ يُلْقِيْ الْتَحِيَةَ رَمَقْتَهُ ( وِيْلُتُوْنَ ) بِعَيْنَيْهَا الْمُعَتَقَةِ الْزُرْقَةِ كَقُبْلَةٍ عَاْشِقَةٍ تَتَأَرْجَحِ عَلَى شَفَتَيْ الْعُشْقِ ، اِنْسَحَبَتْ الْجَدَةُ بَيْنَمَا مسْيُوْ جيْرَمَوْ وَوِيْلُتُوْنَ هَائِمَان وَسْطَ النَظَرَاتِ حَيْثُ تَعَطَلَتْ الْكَلِمَاتُ لِتَكُوْنَ الْنَظْرَةُ أَكْبَرَ دَلَاْلَةٍ مِنْهَا .
أَحَسَتْ وِيْلُتُوْنَ بِطَاَقَةٍ قَوِيَةٍ تَتَفَاَعَلُ بِدَاْخِلِهَاَ فَحَمَلَتْ جَسَدَهَا وَعَانَقَتْهُ وَهِيَ تَهْمِسُ : أُحِبُكَ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) أَجَاَبَهَا فِيْ شِبْهِ غَيْبُوْبَةٍ : أُحِبُكِ ، أَنْتِ الْأَرْضُ بِحَنَانِهَا ، قَاطَعَتْهُ بِدِفءِ عِنَاَقٍ : أَنْتَ مُتَعَلِقٌ بِاْلأَرْضِ ، قَاَطَعَهَا بِقُبْلَةٍ هَادِئَةٍ : الْأَرْضُ يَا حَبِيْبَتِيْ هِيَ جَذْوَةُ الْحُبِ وَمِنْهَا وَفِيْهَا تَنْبِتُ الْأَرْوَاْحُ لِتُمَاَرِسَ الْحَيَاَةَ فِيْ وِدٍ .
اِنْصَهَرَ الْعِنَاقُ وَالْجَدَةُ تُرَاْقِبُهُمَا مِنْ نَاَفِذَةِ الْغُرْفَةِ وَهِيَ تَبْتَسِمُ .
وَصَلَ الْجَدُ إِلَىْ الْبُسْتَانِ رَاجِعَاً مِنْ الإجْتِمَاعِ الْذِيْ عُقِدَ فِيْ إِحْدَى مَزَاْرِعِ الْقَرْيَةِ مِنْ أَجْلِ إِعْدَادِ الْعُدَةِ لِمُوَاجَهَةِ الْمَلِكِ وَتَحَسُبَاً لِأَيِ حَدَثً مُفَاجِئ ٍ.
تَقَدَمَتْ الجَدَةُ بِهُدُوْءٍ نَحْوَهُ وَانْتَحَتْ بِهِ جَانِبَاً لِتُخْبِرَهُ بِمَا جَرَى فِيْ مَنْزِلِ أَخِيْهِ وَمَا لَاقَتْهُ ( وِيْلُتُوْنَ ) هُنَاكَ ، اِضْطَرَبَتْ مَفَاصِلَهُ غَضَبَاً لِتَخْرُجَ الكَلِمَاتِ مِنْ قَلْبٍ أَتْعَبَتْهُ الآلَامُ : يَا لَهُ مِنْ رَجُلٍ ، إِلَى مَتَى سَوْفَ يُفِيْقُ مِنْ غَشْوَتِهِ وَضَلَالَةِ طَرِيْقَهُ ، أَلَمْ تُعَلِمْهُ الحَيَاةُ بِأَنَ الظُلْمَ لَا بُدَ لَهُ مِنْ يَوْمٍ وَيُقْهَرُ ، أَلَمْ تُعَلِمُهُ الحَيَاةُ أَنَ يُرْشِفَ الآخَرُوْنَ الحَنَانَ وَيُشْعِلَ فَانُوْسَاً يُنِيْرُ لَهُمَ الطَرِيْقَ ، أَلَمْ تُعَلِمَهُ الحَيَاةُ أَنْ يَرْسُمَ عَلَى الشِفَاهِ البَائِسَةِ بَسْمَةً مِنْ مَاءِ ، أَوَصَلَ بِهِ الظُلمُ أنْ يُمَزِقَ اِبْنَتَهُ ( وِيْلُتُوْنَ ) تِلْكَ الفَتَاةُ الجَمِيْلَةُ ذَاتُ الرُوْحِ القِدِيْسَةُ ، قَاطَعَتْهُ خَوْفَاً مِنْ نَوْبَةٍ قَلْبِيَةٍ قَدْ تُصِيْبَهُ : لَدِيْ خَبَرُ سَيُسْعِدُكَ ، اِرْتَمَى عَلَى فِرَاشِهِ وَكُلَهُ آذَانٌ صَاغِيَةُ ، مَا هُوَ ؟ .
إَنَ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) وَ ( وِيْلُتُوْنَ ) بَيْنَهُمَا قِصَةَ حُبٍ ، إِنَهُمَا عَاشِقَانِ ، لَقَدْ أَفْضَى كُلَاً مِنْهُمَا لِيْ عَنْ حُبِهِ ، كَمْ أَنَا مَسْرُرَةٌ لَهُمَا كَثِيْراً ، تَنَفَسَ الجَدُ الحَيَاةَ صَافِيَةٍ كَأَنَمَا رَشْفَةٌ مِنْ مَاءٍ بَارِدٍ نَزَلَتْ عَلَى جِسْمِهِ فِيْ يَوْمٍ شَدِيْدِ الحَرِ لِيَنْتَفِضَ جَسَدَهُ كَقِطَةٍ تَنْتَفِضُ مِنْ غَسْلَتِ مَاءٍ .
اِنْتَهَى الوَزِيْرُ مِنْ نَسْجِ الخُطَةِ لِقَتْلِ الجَدِ وَقَرَرَ أَنْ يَكُوْنَ التَنْفِيْذُ فِيْ اليَوْمِ التَالِيْ .
فِيْ اليَوْمِ التَالِيْ اِسْتَيْقَظَ الوَزِيْرُ مُبَكِرَاً وَأَمَرَ بِمُثُوْلِ مُعَاوِنَهُ ( جُوْنِيْ ) لِيَتِمَ تَنْفِيْذِ الجَرِيْمَةِ بِسِرِيَةٍ تَامَةٍ ، هَزَ رَأسَهُ بِخُبْثِ القَتْلِ المَعْهُوْدِ لَدَى المُجْرِمِيْنَ المُحْتَرِفِيْنَ .
وَقَفَ ( سِلَاذْفُوْرُ ) الجُنْدِيْ المُكَلَفْ بِالقِيَامِ بِالعَمَلِيَاتِ السِرِيَةِ لَدَى الوَزِيْرُ ، بَعِيْدَاً بَعْضَ الشَيِءِ عَنْ بَوَابَةِ البُسْتَانِ كَانْ يَنْتَظْرُ خُرُوْجَ الجَدِ مُتَوَجِهَاً إِلَى السُوْقِ لِيَبِيْعَ مَحْصُوْلَهُ لِهَذَا اليَوْمِ هَذَا اليَوْمُ الَذِيْ هُوَ آخِرَ يَوْمٍ فِيْ حَيَاتِهِ ، إِنَهُ مُصْبِحٌ لَا يَدْرِيْ مَا يُخَبِئَهُ الزَمَنْ .
خَرَجَ الجَدُ بِعَرَبَتِهِ وَحِيْنَمَا أَصْبَحَ فِيْ مُحَاذَاتِهِ اِنْقَضَى عَلَيْهِ بِسَيْفِهِ المُشَبَعِ بِالسُمِ مُهَشِمَاً رَأسَهُ لِيَلُوْذُ بِالفِرَارِ ، اِجْتَمَعَ النَاسُ حَوْلَ الجِثَةِ لِيَمْضِى بَعْضَهُمْ بِاتِجَاهِ القَاتِلِ فَيَظْفَرُوْا بِهِ وَيُذِيْقُوْهُ مَا أَذَاقَ بِهِ الجَدُ .
تَأَكَدَ أَهْلُ القَرْيَةِ بِأَنَ المَلِكَ وَرَاءْ مَقْتَلِ الجَدْ ، أَخَذَوْا الجُثَةَ إِلَى البُسْتَانِ غَارِقَةٌ بِدَمِهَا .
كَانَتْ الجَدَةُ وَ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) و ( وِيْلُتُوْنَ ) يَعْمَلُوْنَ فِيْ البُسْتَانِ ، تَسَرَبَتْ إِلَى أَسْمَاعِهِمُ أَصْوَاتٌ قَادِمَةٌ مِنْ نَاحِيَةِ القَرْيَةِ ، أَصْغَوْا بِدِقَةٍ فَإِذَا بِهِمُ يَسْمَعُوْنَ قَتَلَ المَلِكُ الجَدَ ، قَتَلَ المَلِكُ الجَدَ ، قَتَلَ المَلِكُ الجَدَ ، أَسْرَعُوْا نَاحِيَةِ بَوَابَةِ البُسْتَانِ ، تَجَمَدَ الزَمَنُ بِأَحْدَاقِهِمْ ، شَهَقَتْ الجَدَةُ شَهْقَتاَ فَارَقَتْ عَلَى إِثْرِهَا الحَيَاةُ بَيْنَمَا مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) وَ ( وِيْلُتُوْنَ ) عَانَقَا بَعْضُهُمَا الْآخَرَى فِيْ بُكَاءٍ جَعَلَ الآخَرُوْنَ يَضُجُوْنَ بِالبُكَاءِ .
بَعْدَ أَنْ أَوْدَعُوْا الجَدَ عَالَمَ القَدَاسَةِ ، تَوَجَهَتْ الأَعْنَاقُ إِلَى مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) تُخْبِرَهُ بِنَظَرَاتِهَا عَنْ عَزْمِهَا فِيْ نَفْضِ هَذَا الظُلْمِ الجَاثِمِ عَلَى صُدُرِهِمْ ، حَدَقَهُمْ بِذَاتِ النَظْرَةِ المُتَوَعِدَةِ تُعْلِنُ الثَوْرَةَ ، تَوَجَهَ الجَمِيْعُ إِلَى مَنَازِلَهُمْ لِيُحْضِرُوْا مَا لَدَيْهُم مِنْ عِتَادٍ لِيُقَاتِلُوْا بِهِ ، العَتَادُ الَذِيْ قَدْ بَاشَرَ الجَدُ بِتَجْهِيْزَهُ حَتَى آخِرَ يَوْمٍ فِيْ حَيَاتِهِ .
مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) خَاطَبَهَمْ بِحَمَاسِ القَائِدِ الفَتِيْ ، قُوْمُوْا ، اِنْزَعُوْا عَنْ قُلُوْبِكُم ثِيَابَ الذُلِ ، وَجِهُوْا أَنْظَارَكُمْ نَاحِيَةَ المَلِكَ ، اِحْمِلُوْا سِيُوْفَكُمْ وَكُلُ مَا تَسْقُطْ عَلَيْهِ أَيْدِكُمْ لِنَأخُذَ ثَأرَ كُلِ قَلبٍ ذَبَحَهُ المَلِكُ ، كُلَ دَمْعَةٍ سَالَتْ مِنْ عُيُوْنِ الأُمَهَاتِ ، كُلَ أَنَةِ حِرْمَانٍ بِعَيْنَي طِفْلٍ وَطِفْلَةٍ .. .
اِهْتَزَتْ الأرْضُ مِنْ تَحْتِ أقْدَامِهِمْ ، المَوْتُ لِلْمَلِكِ ، المَوْتُ لِلْمَلِكِ ، المَوْتُ لِلْمَلِكِ ، تَقَدَمَ الغَاضِبُوْنَ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) وَ ( وِيْلُتُوْنَ ) .
( وِيْلُتُوْنَ ) بِجَانِبِهِ مَاسِكَةً يَدَهُ وَعَيْنَيْهَا إِلَى السَمَاءِ مَا بَيْنَ خَائِفَةٍ وَثَائِرَةٍ ، تَمَرْكَزَ الحُرَاسُ عِنْدَ بَوَابَةِ القَصْرِ الكَبِيْرَةِ المُطِلةِ عَلَى المَقْصُوْرَةِ ، الوَزِيْرُ يُوَجِهُ القَادَة ، وصَلَ الغَاضِبُوْنَ بَاحَةَ القَصْرِ وَاشْتَبَكُوْا مَعَ الحُرَاسِ ، سَقَطْ جَمْعٌ كَثِيْرٌ مِنْ كِلا الطَرَفَيْنِ ، لاحَظَ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) الوَزِيْرُ وَهْوَ يَهِمُ بِالفِرَارِ فَتَوَجَهَ فِيْ إِثْرِهِ حَتَى ظَفِرَ بِهِ فَأَلقَمَهُ حَرَارَةَ سَيْفِهِ فَشَقَ رَأسَهُ إِلَى نِصْفَيْنِ .
هَمَ رَاجِعَاً فَوَجَدَ أَهْلُ القَرْيَةِ قَدْ قَتَلُوْا المَلِكَ ، أَشْرَقَت اِبْتِسَامَة عَلَى شَفَتِيْهِ ، هِىَ ابْتِسَامَةُ النَصْرَ المُظَفَرْ .
عَلَتْ الهِتَافَاتُ مِنَ الجَمِيْعِ تُهَنِئ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) بِقَتْلِ المَلِكِ وانْتِهَاءِ عَصْرِ العُبُوْدِيَةِ الذِيْ فَرَضَهُ عَليْهِمْ ، بَحَثَ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) عَنْ ( وِيْلُتُوْنَ ) فَلمْ يَجِدُهَا فَانْتَابَهُ القَلقُ ، أَشَارَ لَهُ أَحَدَهُمْ وَكَانَ رَجُلٌ طَاعِنٌ فِيْ السِنِ بِيَدِيْهِ إِلى جِهَةِ هُنَاكَ إِلى حَيْثُ جُثَةُ الوَزِيْرِ ، تَوَجَهَ مُسْرِعَاً لِيَرَى( وِيْلُتُوْنَ ) تَنْتَحِبُ عَلى جُثَةِ وَالِدِهَا تَذْرِفُ دُمُوْعَاً أَلهَبَتْ بِهَا قَلبَهُ فَانْحَنَى بِعَطْفِ عَاشِقٍ أَتْعَبَهُ العِشْقُ ، جَذَبَهَا إِلى جَسَدِهِ المُتْعِبِ .
فِيْ صَبَاحِ اليَوْمِ التَاليْ مِنْ الثَوْرَةِ كَانَتْ القَرْيَةُ قَدْ اسْتَرَدَتْ عِنْفُوَانَهَا المَسْلُوْبُ ، هَالَةٌ مِنَ الصَمْتِ يَلُفُ البُسْتَانِ ( وِيْلُتُوْنَ ) جَالِسَةُ بِقُرْبِ شَجَرَةِ البُسْتَانِ بَيْنَمَا مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) يَعْمَلُ فِيْ البُسْتَانِ وَعَيْنَاهُ تَطُوْفُ حَوْلَهَا بِلُطْفِ النَظْرَةَ .
اِجْتَمَعَ بَعْضُ أَهْلُ القَرْيَةِ عِنْدَ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) فَقَدْ أَجْمَعَتْ القَرْيَةُ عَليْهِ لِيَكُوْنَ المَلِكَ وَيُمَارِسَ العَدَالةَ ، عَدَالَةِ السَمَاءِ فِيْ الأَرْضِ .
يَوْمَ اِسْتِلامِهِ الحُكْمَ كَانَ يَوْمَ زَفَافِهِ مِنْهَا ، أُشْعِلَتْ الأنْوَارُ ، عُلِقَتْ الزِيْنَةُ ، اِرْتَدَتْ ثَوْبَ زَفَافِهَا وَهْيَ تَتَأَمَلُ نَفْسَهَا ، كَانَتْ هِيَ جَمِيْلةً جَمَالٍ سِحْرِيٍ جَذَابْ .
جَلسَتُ بِجَانِبِهِ مُتَوَرِدَةِ الوَجْنَتِيْنِ ، رَسَمَ قُبْلةً عَلى شَفَتِيْهَا وَمَشَى مَعَهَا عَبْرَ أًنْغَامِ الحَسْنَاوَاتِ وَهْيَ تُغَنِيْ طَرَبَاً بَيْنَمَا وَصَلَ مِسْيُوْ ( جِيْرَمَوْ ) وَ ( وِيْلُتُوْنَ ) إِلى حَيْثُ يَكُوْنُ الزَوْجَانِ بِليْلةِ العُرْسِ ، أَصْبَحَا وَحْدَهُمَا ، تَعَرَى العُشْقُ تَعَرَى ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق